استنزاف اليمن

04:12 صباحا
قراءة دقيقتين
صادق ناشر

على الرغم من أن اليمنيين كانوا يأملون بوصول أطراف الصراع في بلد مزقته الحروب والثارات القبلية، حيث التقوا في جنيف الأسبوع قبل الماضي، إلى هدنة إنسانية تساعدهم على التقاط أنفاسهم وترتيب شتات حياتهم اليومية، إلا أن هذه الآمال تبددت مع استمرار المعارك على مختلف الجبهات، حيث لا تزال العمليات العسكرية مشتعلة، ولم يسجل أي من طرفي الصراع انتصارات حاسمة، بخاصة بعد تحرير محافظة الضالع لصالح المقاومة الشهر الماضي وسقوط محافظة الجوف الشهر الجاري، التي كانت متنفساً للمقاومة.

وعلى الرغم من الجهود الدولية المبذولة للتخفيف عن الناس، مازال الوضع الإنساني في البلاد يشهد مزيداً من التدهور، خاصة في مناطق المواجهات المسلحة المستعرة، وفي المقدمة مدينتا عدن وتعز، اللتان غدتا منطقتين منكوبتين إنسانياً وصحياً، فضلاً عن تعثر ومنع إيصال المساعدات الإغاثية إليهما والحصار الجائر الذي تفرضه قوات التمرد عليهما، الأمر الذي جعل منظمة الصليب الأحمر الدولي تعلن المديريات الواقعة تحت السيطرة التامة للمتمردين في عدن مناطق موبوءة، يصعب الدخول إليها، بعد تسجيل عشرات الوفيات في صفوف الأهالي بحمى الضنك.
ويبدو أن خيار المقاومة في استنزاف قوات الحوثي وصالح هو الخيار المرجح في الوقت الحاضر حتى تتمكن من استعادة المكاسب التي سبق للمقاومة أن حققتها خلال الأسابيع القليلة الماضية، والبدء في إعادة ترتيب الأولويات لتتمكن الشرعية من فرض رؤيتها للحل العسكري من الداخل وليس عن طريق الحلول السياسية التي لن تلبي طموحات الناس في حياة آمنة ومستقرة.
مع ذلك فإن خيار الاستنزاف سيكون في نهاية المطاف خسارة لليمن ككل وليس فقط للحوثي وقوات صالح، إذ إن البلد يعيش دماراً هائلاً في مجالات الحياة كافة، وقد أمعن الحوثيون وأنصار صالح في تدمير كل شيء من خلال اللجوء إلى خيار «نيرون» الذي أحرق روما من خلال الحروب التي يخوضونها منذ أشهر.
حسابات الحوثيين في المعارك الحالية تبدو معروفة، وكذلك خيار الرئيس السابق علي عبدالله صالح، لكن ما ليس معروفاً هو هذا التداخل العجيب بين خيارات وحسابات الجانبين، اللذين اتفقا على قضايا عدة أبرزها تدمير العملية الانتقالية برمتها، والتي كانت قد بدأت تحقق بعض التقدم من خلال مؤتمر الحوار الوطني الذي وافقت كافة القوى السياسية على ما جاء فيه، وأبرزها تلك المتصلة بعدم استخدام السلاح لحل المشاكل في البلاد.
فكرة التحالف بين الحوثي وصالح في هذه النقطة بدأت تأخذ مساراً مختلفاً، بخاصة بعد أن توحدا على الأرض من خلال خوض المعارك معاً في كافة جبهات القتال، فيما اتفق الجانبان على تشكيل وفد موحد إلى جنيف مؤخراً، ما جعل هذا التحالف يتحول من ميداني إلى سياسي، وعبر بشكل أكثر وضوحاً عن خيارات الجانبين.
مهمة المقاومة اليوم إذن تكمن في تفكيك هذا التحالف أو على أقل تقدير فضحه على أعلى مستوى، بخاصة أن هذا التحالف تمكن من تدمير البلد عبر المغامرات التي أقدم عليها خلال الأشهر القليلة الماضية وأدى إلى استنزاف قدرات البلد بأكمله.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"