الإعلام والنموذج التنموي الجديد للصحراء

03:51 صباحا
قراءة 4 دقائق
د.إدريس لكريني

يحيل مصطلح التنمية إلى مجموعة من التحوّلات المهمة التي تطال المجتمع في مختلف المجالات الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والمعرفية، والتقنية بالصورة التي توفّر الشروط اللازمة لحياة أفضل، وبما يحقق التطور والرفاه داخل المجتمع، عبر تجنيد واستثمار الإمكانات المتاحة بصورة جيدة وتحقيق الحاجيات الراهنة دون المساس باحتياجات الأجيال المقبلة.
لا تتحقق التّنمية إلا في فضاء قوامه الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، كما أنها تفرض اعتماد التخطيط الاستراتيجي والتسويق والتشاركية.
إن كسب رهانات التنمية يسائل الجميع، من نخب ومؤسسات عمومية وجماعات ترابية ومجتمع مدني ومؤسسات تعليمية ومراكز بحثية وإعلام، إلى جانب الدولة، في إطار مقاربة تشاركية منفتحة، وينطوي دور الإعلام على أهمية كبيرة في هذا السياق على مستوى المواكبة والتقييم.
برز النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية ضمن مجموعة من المبادرات التي شهدها المغرب، فقد جاء في أعقاب انتهاء هيئة الإنصاف والمصالحة من أشغالها وتقديمها لتقرير مهم للعاهل المغربي عام 2005، وطرح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية خلال نفس الفترة، وطرح مشروع الحكم الذاتي في الصحراء عام 2006، وفتح نقاشات عمومية لإصلاح النظام الجهوي منذ 2010، وإصدار دستور 2011 الذي تضمن عدداً من المستجدات الداعمة للخيار الجهوي وللتنمية الشاملة.
يقوم النموذج التنموي الجديد بالأقاليم الجنوبية في جزء أساسي منه على المقاربة التشاركية كأسلوب حديث، واستراتيجي كفيل بتحقيق التنمية المستدامة، انسجاماً مع مقتضيات الدستور، في ارتباطها بمرتكزات الحكامة الجيدة. فهو يعني عدداً من المجالات والقطاعات الحيوية، بصورة تعكس استيعاباً لمفهوم التنمية في بعدها الشمولي والاستراتيجي.
يسعى النموذج إلى المساهمة في استئثار الأقاليم الجنوبية بلعب دور طلائعي كبوابة نحو العمق الإفريقي، وهو ينسجم إلى حدّ بعيد ومضامين الدستور على مستوى تعزيز الخيار الجهوي وإعطاء التنمية طابعاً من الشمولية، واستحضار الطابع الحقوقي لهذه التنمية.
ويقوم النموذج في جزء كبير منه على مبدأ الديمقراطية التشاركية المحلية، من حيث التأكيد على الحوار والتشاور وفتح النقاشات العمومية بصدد عدد من القضايا والملفات، وعلى استحضار الخصوصية الثقافية للساكنة، وهذا أمر طبيعي إذا اعتبرنا أن من ضمن أهم رهانات الخيار الجهوي المساهمة في تعزيز التنوع المجتمعي بصورة بنّاءة إلى جانب تعزيز الديمقراطية المحلية والسعي لخلق الثروة.
يهدف النموذج إلى بلورة مبادرة استراتيجية تقوم على التشارك والإدماج والحكامة، وخلق أجواء من الثّقة عبر إشراك الساكنة وتحسين ظروف عيشها، والسّعي لفكّ العزلة عن الأقاليم الجنوبية للمغرب، وكسب الرّهانات الكبرى للجهوية المتقدّمة ومتطلباتها في إطار من احترام خصوصية هذه الأقاليم بتراثها الثقافي المتنوع.
إن كسب رهان النموذج يتوقف على عدد من العناصر والشروط، يمكن إجمالها في استيعاب الفاعل المحلي لرهانات التنمية في ظل الخيار الجهوي، وما يتطلبه الأمر من تجنيد للإمكانيات البشرية والمجالية، واعتماد تدبير يقوم التخطيط الاستراتيجي ومقومات الحوكمة.
تعتبر التشاركية من الأسس التي تنبني عليها الممارسة الديمقراطية، فهي تحيل إلى العمل الجماعي المنفتح على مختلف الكفاءات، وقد جاءت كردّ فعل على المقاربات الانفرادية التقليدية، وكمدخل لتجاوز سلبيات الديمقراطية التمثيلية المبنية على الانتخاب، وهي من ضمن الأسس والمرتكزات التي يقوم عليها النظام الدستوري المغربي، غير أن نجاعتها وأهميتها تظلّ متوقفة على وجود شركاء وفاعلين أكفاء ومقتنعين بجدوى العمل التشاركي.
لم تعد مهمة الإعلام في عالم اليوم تقتصر على نقل الأخبار، بقدر ما تجاوزته إلى تشكيل الرأي العام والمساهمة في التنشئة الاجتماعية، والتواصل والتعليم والتوعية، والمرافعة بشأن عدد من القضايا والملفات الهامة، ومواكبة التحولات الاجتماعية في أبعادها المختلفة داخلياً ودولياً.. إن الأدوار التي أصبح يستأثر بها الإعلام في الوقت الراهن، أفقياً وعمودياً، جعلت منه فاعلاً أساسياً في تعزيز التنمية والممارسة الديمقراطية، حيث بدأ الحديث عن الإعلام التنموي.
تتّصل السّياسات العمومية بالقرارات والبرامج والسياسات الحكومية المتعلقة بعدد من المجالات الاجتماعية، وهي تنطوي في جزء كبير منها على قدر من التعقيد، كما أن انتقال مشكلة أو قضية اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية إلى دائرة القضايا العمومية التي تحظى باهتمام صانعي القرار، يطرح مسؤولية عدد من الفاعلين، ويظل دور الإعلام مطلوباً في هذا الشأن، على مستوى المرافعة والمواكبة والمراقبة والتقييم.
تنبعث أهمية هذا القطاع في التنمية انطلاقاً من حق المواطن في الإعلام والولوج للمعلومات، وما يتطلبه الأمر أيضاً من تواصل دائم ومنتظم بين صانعي القرار من جهة، والمواطنين من جهة أخرى.
يمكن للإعلام أن يواكب ويدعم كسب رهانات هذا النموذج، عبر مداخل أفقية تتصل بالتسويق والتعريف بالنموذج ورصد أهميته.. وأخرى عمودية تدعم مواكبته ورصد الاختلالات المطروحة وتقييمه، بما يحقق أهدافه المنشودة، ويجعله منفتحاً على انتظارات الساكنة وخصوصيات الإقليم.
فالنموذج يشير إلى أن الكثير من مؤشرات التنمية بالمنطقة تحسّنت، على المستويات الصحية والتعليمية وغيرها، وهو ما يتطلب مواكبة إعلامية، شأنه في ذلك شأن المشاريع التنموية المنجزة، علاوة على إبراز المكونات السياحية والثقافية للمنطقة، مع الحرص على استحضار تجارب ونماذج تنموية دولية رائدة في هذا الخصوص، والمساهمة في إرساء أجواء من الثقة بين الساكنة بكل مكوناتها ومختلف الفاعلين، وإبراز النخب والكفاءات المحلية في مختلف المجالات، بما يدعم تجدّدها، وترسيخ وعي قانوني وسياسي، وفتح نقاشات عمومية بصدد عدد من القضايا والأوليات المحلية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"