الإنجليزية والإرهاب

05:26 صباحا
قراءة 4 دقائق
عاصم عبد الخالق

وسط طوفان التحليلات والتقارير الحائرة في البحث عن إجابة للسؤال الصعب: لماذا فشل العالم في مواجهة الإرهاب؟ لا يتوقف أحد كثيراً أمام مسألة اللغة كسبب مهم يعيق أو على الأقل يحد من فاعلية الجهد المبذول للتصدي لهذه الآفة . اللغة هي المفتاح الأول للدخول إلى عالم التنظيمات الظلامية وهي الأداة الرئيسية في متابعة ورصد، ومن ثم فهم أفكار الإرهابيين . ولأن الولايات المتحدة تعتمد أساساً على لغتها الإنجليزية في تحقيق هذه الغاية فإن النتائج كانت وما زالت غير مرضية لأنها ببساطة تستخدم المفتاح الخطأ في محاولة الدخول إلى هذا العالم الغريب عنها .
ليس هذا رأياً شخصياً، ولكنها خلاصة تقرير مهم نشرته مجلة "فورين افيرز" الأمريكية الرصينة، وأعده باحث متخصص في هذا المجال هو كاليف ليتارو ويعمل في مركز للدراسات الأمنية التابع جامعة جورج واشنطن .
اختارت المجلة عنواناً للتقرير عبر بوضوح عن مضمونه وهو: لماذا لا يمكننا فهم الإرهاب عبر قراءة صحف بالإنجليزية؟ والمقصود أنه لا يمكن الاعتماد على وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية لفهم ظاهرة الإرهاب، ومن ثم التصدي له . وهذا للآسف هو الخطأ الجسيم الذي ترتكبه بإصرار الأجهزة الأمريكية المعنية .
في التفاصيل الكثيرة التي يحفل بها التقرير المطول يلقي الباحث مزيداً من الضوء على هذه المنطقة الغائمة . ويرصد مسألة بالغة الأهمية وهي أن الجانب الأكبر من الفهم الأمريكي لأنماط التطرف العنيف في العالم مصدره الأول المواد المكتوبة أو الناطقة بالإنجليزية .
المعنى الذي يريد الباحث أن يلفت إليه الأنظار هو أنك لا يمكن أن تواجه ظاهرة بمثل هذا التعقيد إذا لم تكن تفهمها، ولن تفهمها ما لم تكن على دراية بطريقة تفكير العدو . ولكنك لن تقف على طريقة تفكيره من دون أن تطلع على ثقافته والمنابع الأصلية التي يستقي منها أفكاره . ولكي تفعل ذلك فليس أمامك سوى إجادة لغته، ولا شيء آخر .
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا هو أليس هناك مترجمون؟ الإجابة كما تأتي في ثنايا التقرير هي نعم هناك مترجمون لكن الإنتاج غير كاف وغير فعال في أحياناً كثيرة . وتتضح هذه الحقيقة عند مراجعة أرشيف أجهزة المخابرات المسؤولة عن التنصت على اتصالات الجماعات المتطرفة . حيث يكتشف الباحث عن كم هائل من التسجيلات، غير أن المحتوى المترجم منها محدود وقليل الفائدة .
يضاف إلى ذلك عدم الوعي بأهمية وجود الخبير المتخصص في الإرهاب والدارس للغة الأجنبية في ذات الوقت . وعلى سبيل المثال، فإن المحلل المكلف بمتابعة جماعة "العسكر الطيبة" الباكستانية المصنفة كمنظمة إرهابية، هذا الباحث والكلام للتقرير الأمريكي، يشكو من أن معظم الاتصالات التي تم التنصت عليها هي إما بالغة العربية أو الفارسية وبالتالي فهو شخصياً لا يستطيع الاستفادة منها .
والمشكلة هنا مزدوجة، فالباحث المكلف بهذه المهمة لا يجيد أي لغة . والمترجمون الذين يساعدونه لا يوفرون له المادة المطلوبة لا بالكم ولا بالكيف المناسبين .
نموذج آخر لا يلتفت إليه أحد، وهو قاعدة المعلومات الأساسية التي تعتمد عليها الأجهزة الرسمية والإعلام للحصول على البيانات المتعلقة بالإرهاب . وتسمى "قاعدة بيانات الإرهاب العالمي" أو GTD وهي من إعداد جامعة ميريلاند وتدعمها وزارة الدفاع .
هذه القاعدة تعتمد بصور تكاد تكون حصرية على مصادر إخبارية باللغة الإنجليزية، وهي ثغرة لا يستهان بها تهز كثيراً من مصداقية بياناتها وشموليتها . على سبيل المثال ووفقاً لما يرد في هذه القاعدة فإن الدول العشر الأولى التي شهدت أحداثاً إرهابية في 2013 ليس بينها سوى واحدة تعتبر الإنجليزية لغتها الرسمية وهي نيجيريا مع دولتين ( الفلبين والهند) تعتبران الإنجليزية من ضمن لغاتها الرسمية . وهذه الدول الثلاث شهدت 17% فقط من الحوادث الإرهابية وسقط فيها 16% فقط من الضحايا في الدول العشر، ومع ذلك ظلت قاعدة المعلومات تعتمد على مواد بالإنجليزية في متابعة ما يجري في الدول العشر رغم أن 83% من الحوادث وقعت في دول لا تتحدث الإنجليزية .
حالة أخرى من القصور يجسدها مشروع الأبحاث الدفاعية المتطورة وهو برنامج مهم للتعامل مع الإرهاب وخصص 125 مليون دولار لإنشاء ما يعرف باسم نظام الإنذار المبكر ضد الأزمات العالمية . يعتمد البرنامج حصرياً تقريباً على الإنجليزية وقدر ضئيل من المواد المترجمة . ونتيجة لذلك فإن الدراسات التي أجريت أشارت إلى أن دقة تنبؤاته لا تتجاوز 20% . نفس النسبة لم تتجاوزها مؤسسة أخرى هي "مركز اوبن سورس" المسؤول عن متابعة وترجمة الأخبار العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي .
وقبل أن يعيد أحد التساؤل أين المترجمون، نقول إن تغطية هذا المركز للمواد المنشورة بالبنجالية وهي لغة بنجلاديش ظلت في المتوسط مقالة واحدة أسبوعياً لمدة أكثر من 20 عاماً . رغم أن مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2014 يضع بنجلاديش ضمن الدول ذات المخاطر الإرهابية العالية .
لا يمكن سرد كل ما جاء في التقرير، ولكن الخلاصة هي أن أمريكا ما زالت بعيدة جداً عن كسب حربها ضد الإرهاب رغم إمكاناتها الهائلة . والسبب لا يكمن فقط في تجاهلها لجذور المشكلة ولكن أيضاً لأنها لا تفهم العدو المستهدف . إنها باختصار الفجوة الثقافية التي تفصل بين عالمين . يعيدنا هذا إلى حكمة الأولين عندما أعلنوا منذ البداية أن القوة لن تحل المشكلة . لأن الإرهاب في الأصل وليد فكرة، وحتى لو كانت خاطئة أو مشوهة فستبقى فكرة، وليس بوسع القنابل أن تقتل الأفكار .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"