الاتحاد الأوروبي أمام خطر التفكك

04:15 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. غسان العزي

يسود التشاؤم أوساط المحللين والسياسيين الأوروبيين المؤيدين للوحدة الأوروبية، والذين يطرحون الأسئلة حول مستقبل البناء الأوروبي ويخشون من أن يكون مقبلاً على انهيار كبير بسبب الخلافات الآخذة بالتفاقم بين الدول الأعضاء. ويغذي الاستفتاء المقبل في بريطانيا، المقرر في 23 يونيو/حزيران المقبل، حول خروجها من الاتحاد هذه التساؤلات والمخاوف، في وقت تمعن فيه أزمة اللاجئين في إحداث الشروخ والانقسامات في جسم هذا الأخير.
في فرنسا يسود الشعور بالإحباط في أوساط المتحمسين للمشروع الوحدوي الأوروبي. وكان رئيس الوزراء الاشتراكي الأسبق ميشال روكار قد دق جرس الإنذار بالإعلان أن «أوروبا انتهت وبات الوقت متأخراً لإنقاذها». ويبدو أن رئيس الوزراء الحالي مانويل فالس يوافقه الرأي، إذ أكد، في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، في منتدى دافوس بأنه «إذا لم يتحرك الأوروبيون بسرعة فإن أوروبا قد تتصدع والمشروع الأوروبي قد يموت». وصل القلق أيضاً إلى جان - دومينيك غويلياني، أحد «حراس المعبد» الأوروبي بوصفه رئيس مؤسسة روبرت شومان، الذي وضع عنواناً لمقالته في 10 يناير/كانون الثاني الماضي، هو «أوروبا وهواجسها». وقبله بأسبوع واحد كان مراسل صحيفة «ليبراسيون» في بروكسل جان كاترمير، وهو من أشد المتحمسين لأوروبا، قد كتب يقول: «أزمة بعد أزمة تغوص أوروبا في القعر (...) يبدو أن لا شيء يمكن له وقف عودة المشاعر الوطنية». صحيفة لوموند كتبت في افتتاحية عددها الصادر في 25 يناير الماضي: «يبدو أن المشروع الأوروبي يتكسر على ضفاف اليونان، التي ساهمت في تأسيسه».
ويتفق الخبراء والصحفيون على القول إن أوروبا في خطر داهم حقيقي. التشاؤم سيد الموقف منذ عدة أشهر، وهذا الشعور هو الجواب على السؤال المطروح اليوم حول مستقبل الاتحاد الأوروبي.
مع التحدي البريطاني المتمثل بالاستفتاء المقبل حول البقاء أو الخروج من الاتحاد، فإن التوسيع الأول للمجموعة الاقتصادية الأوروبية، في عام 1973، خارج دائرة المؤسسين الأوائل، يتعرض لإعادة نظر. ويجدر التذكير بأن لندن حاولت طرح مشروع تبادل حر ما بين دول الشمال الأوروبي مكان السوق المشترك الذي تم تبنيه في النهاية. كل دول الشمال الأوروبي، ما عدا النرويج وسويسرا وايسلندا، التحقت بالمجموعة الاقتصادية الأوروبية. والمملكة المتحدة، أهمهم، تهدد اليوم بالعودة نصف قرن إلى الوراء.
التحدي الآخر الذي يهدد أوروبا هو أزمة المهاجرين والتي تبين عمق الانقسامات بين الدول الأوروبية في تعاملها مع تدفق النازحين، كما تكشف القطيعة ما بين الدول الشيوعية السابقة التي دخلت في الاتحاد عام 2004 والدول الأعضاء الأخرى الأعضاء. مدير معهد العلاقات الدولية والدبلوماسية في باريس باسكال بونيفاس، يعترف في مقابلة منشورة على موقع المعهد الإلكتروني في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن هناك «أزمة المشروع الأوروبي» وهي عميقة بقدر معاناة شعوب الاتحاد من التعب حيال البناء الأوروبي. ويضيف «أن ما يبدو خطراً هو أننا نعيد بناء حدود بين الشرق والغرب الأوروبيين».
وبرفضها اقتراح المفوضية الأوروبية توزيع اللاجئين بين مختلف الدول الأعضاء فإن دول أوروبا الشيوعية السابقة، لاسيما بولونيا وهنغاريا، تفصل نفسها، في الواقع، عن باقي الاتحاد. وكما يشير باسكال بونيفاس، فإن دول الشرق الأوروبي، أكثر من شركائها في الغرب الأوروبي، «تتبنى موقف الرفض حيال النازحين واللاجئين والإسلام». في الوقت نفسه فإنها ترفض، باسم احترام السيادة الوطنية، ما تعتبره اعتداء على استقلالها ومحاولة من بروكسل للهيمنة على حكوماتها. وهناك من يذهب في المبالغة إلى حد مقارنة وصاية الاتحاد الأوروبي بتلك التي مارسها عليهم الاتحاد السوفييتي السابق طوال عقود طويلة في القرن المنصرم. والاحتجاجات الأوروبية ضد الجنوح السلطوي لفرصوفيا وبودابست تساهم في توسيع الفجوة بين قسمي القارة الأوروبية.
هذه المرة يتعرض التوسع نحو الشرق للمراجعة، ذلك الذي أدخل عشر دول في عام 2004 واثنتين في عام 2007 (بلغاريا ورومانيا) ودولة واحدة في عام 2013 (كرواتيا). وقد ندد النائب الأوروبي السابق جان-لوي بورلانج، على أثير راديو فرانس-كولتور، في 24 يناير/كانون الثاني الماضي، بما وصفه بالفشل المزدوج للاتحاد الأوروبي، إذ أن طموح الاتحاد كان تجميع بلدان الجماعة الأوروبية للتبادل-الحر (السابقة) حول الدول المؤسسة أولاً، ثم بلدان المعسكر الشرقي السابق تالياً. وهذا التجمع الواسع يحتضر أمامنا، بحسب بورلانج.
حرية التنقل هي المبدأ المؤسس لأوروبا الموحدة، وهذا المبدأ يتعرض اليوم لمراجعة سلبية عميقة. فأحد الرموز الأساسية للروح الأوروبية، اتفاقية شنغن التي ألغت الحدود الداخلية بين الدول الأوروبية تتعرض للخلل والاهتزاز إلى درجة أن البعض بات ينادي ب«نصف شنغن» تقتصر على النواة الصلبة لأوروبا. ويأسف معهد جاك دولور ل«أزمة الثقة» التي تصيب الأوروبيين بالشلل. فبعد التهديد بإخراج اليونان لمدة سنتين من شينغن، بعد إعادة تقييم حدودها مع تركيا من حيث يتدفق معظم المهاجرين، فإن مجلس وزراء الداخلية الأوروبيين أعلن بنفسه، في اجتماعه الأخير، عن الشقاق الأوروبي في مواجهة التدفق المتزايد لمرشحي اللجوء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"