الاقتصاد يقود السياسة.. الاتفاق الإيراني نموذجاً

04:58 صباحا
قراءة 4 دقائق
عاصم عبد الخالق

نصيحة مهمة وجهتها مجلة «فورشن» المعنية بعالم الثروة والأعمال إلى قرائها وهي أنهم إذا أرادوا معرفة نتائج الاتفاق النووي الأخير مع إيران، فما عليهم إلا تتبع مسار الأموال. المعنى الذي قصدته المجلة هو أن النتائج الأهم للاتفاق، إلى جانب تداعياته السياسية، هي مئات الاتفاقات والمشاريع والصفقات التي سيتمّ التوصل إليها بين إيران وشركائها الجدد. أو بمعنى أدق الشركاء القدامى العائدين إليها بعد رفع العقوبات. هذه التعاملات المتوقعة ستتمّ ترجمتها في النهاية في صورة مليارات الدولارات تصبّ في خزائن الإيرانيين وهؤلاء الشركاء.
وبصرف النظر عن النتائج السياسية الكثيرة والمهمة المترتبة على الاتفاق، وما يعنيه من إعادة دمج إيران في المجتمع الدولي، فإن الاقتصاد يبقى هو القصة الأهم، من وجهة نظر الكثير. وهي قصة يجب أن تُروى وتحظى بكل اهتمام، لأن معاناة الحصار أو إغراءات رفعه، لعبا دوراً مهماً وحيوياً في تليين موقف إيران. كما لعبا بالقدر نفسه، دوراً مهماً في تشجيع الدول الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة على التوصل إلى اتفاق معها، أملاً بالعائدات على شركاتها من الاستثمار في السوق الإيرانية.
وعند الحديث عن المكاسب الإيرانية المتوقعة، لا بدّ من التوقف أولاً أمام المعلومة الأكثر تداولاً في الإعلام العالمي، وهي عودة الأموال الإيرانية المجمّدة التي سيتم تحريرها بعد إنهاء العقوبات. وتختلف التقديرات المتداولة حيال حجم هذه الأموال. وتشير الصحف الغربية عادة إلى أنها ما بين 100 إلى 150 مليار دولار، بينما تقدرها مصادر داخل الإدارة الأمريكية بنحو 50 ملياراً. في حين قدرتها مجلة «فورين بوليسي» الأسبوع الماضي، بأكثر من 120 مليار دولار. في كل الأحوال تبقى هذه الأموال نقطة صغيرة في بحر المكاسب الاقتصادية الموعودة التي يتحدث عنها الإعلام العالمي.
ووفقاً لكاتب أمريكي يدعى جويل بولاك، فإن إجمالي المكاسب التي ستحصدها طهران طوال مدة الاتفاق، أي خلال 15 عاماً، يتجاوز 420 مليار دولار. ويبني الكاتب تقديراته التي نشرها على الإنترنت، على أساس حصيلة الأموال المحررة، ويقدرها بنحو 120 مليار دولار، يضاف إليها 20 مليار دولار سنوياً، قيمة عوائد الصادرات النفطية المتوقعة.
ومن البديهي هنا إدراك تواضع حجم تلك التقديرات التي لم تأخذ في حسبانها، سوى عوائد إيران من الصادرات النفطية، دون مكاسبها من الاستثمارات الأخرى في مختلف القطاعات.
وربما كان ما نشرته مجلة «تايم» الأمريكية في هذا الصدد، هو الأقرب إلى الدقة والواقعية. وفي تقرير لها ضمن عددها الأخير رصدت المجلة التأثيرات المدمّرة للعقوبات على الاقتصاد الإيراني، مشيرة إلى أن تلك العقوبات تسببت في رفع معدل التضخم إلى أكثر من 40% (هناك من يقدر النسبة بنحو 50 % إلى 70%)، وهو ما يعني ارتفاعاً جنونياً في أسعار المواد الغذائية والطاقة وسائر المستلزمات المعيشية الضرورية التي يحتاج إليها المواطن في يومه.
في الوقت نفسه أدى الحصار الاقتصادي إلى زيادة نسبة البطالة إلى 10,3 % تقريباً. بينما تسببت الحزمة الأخيرة من العقوبات المشددة التي فرضت عام 2011، في خسارة العملة الإيرانية (الريال) نحو ثلثي قيمتها. في حين تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنحو 20% ( توجد تقديرات تشير إلى أن حجم التراجع ضعف هذا الرقم). فضلاً عن كل هذا خسرت إيران مليارات الدولارات، نتيجة الحظر النفطي الغربي.
هذه الصورة القاتمة ستتغير بلا شك، بعد رفع العقوبات. وتقدر المجلة أن نسبة النموّ الإضافي للاقتصاد، ستبلغ نحو 2% خلال الأشهر المقبلة، وهو ما يعني أن تبلغ معدلات النموّ الاقتصادي 5% في غضون عام، ثم ترتفع إلى 8% بعد 18 شهراً.
حقيقة مهمة أخرى أشار إليها تقرير «التايم»، وهي أن إيران ستصبح أكبر دولة تعاود الانضمام إلى منظومة الاقتصاد العالمي، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. وسيتصدر قطاع النفط الإيراني القطاعات الجاذبة للاستثمارات الأجنبية، كما سيتصدر أيضاً القطاعات الجالبة للربح. وتتوقع «التايم» أن يزيد إنتاج إيران النفطي ما بين 600 إلى 800 ألف برميل يومياً، خلال أشهر قليلة. ويعني هذا مليارات إضافية للميزانية الإيرانية، إلا أنه سيعني في المقابل تراجع الأسعار العالمية عن الحدود المتوقعة من قبل لعام 2016، بنحو 5 دولارات إلى 15 دولاراً.
هذه الأرقام مجرد عيّنة لما تحفل به التقارير المنشورة في الصحف الغربية عن حجم المكاسب الإيرانية المتوقعة، بعد الاتفاق النووي، إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها. وكما أشرنا فإن قائمة الرابحين لن تقتصر على إيران فقط، لأن كل الشركاء التجاريين العائدين إليها، سيجنون أرباحاً طائلة أيضاً، جراء الاستثمارات والصفقات التي سينجزونها. هذا يقدم سبباً آخر يفسر لماذا كان الجانبان، أي إيران والدول الكبرى، يبديان حرصاً واضحاً على الاتفاق؛ إنها المكاسب الموعودة والمصالح التي لا يمكن السماح بأن تتحطم على صخرة الخلافات السياسية.
مرة أخرى إنه الاقتصاد الذي يقود السياسة وليس العكس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"