الانتخابات في أرض السياسة الجدباء

05:57 صباحا
قراءة 3 دقائق

لا يقصد بهذا المقال التدخل بشكل محدد في هذا الشأن الانتخابي أو ذاك، في هذا البلد العربي أو ذاك، وإنما تستعمل الأمثلة لتوضيح بعض المنطلقات العامة في الانتخابات العربية التي يهمنا أمرها .

المنطلق الأساسي في أية انتخابات تدعي أنها انتخابات ديمقراطية هو التساهل إلى أبعد الحدود الممكنة بالنسبة لمن يرغبون في ترشيح أنفسهم لخوض الانتخابات العامة، كانتخابات رئيس الدولة أو البرلمانات أو البلديات . في انجلترا مثلاً يحق لكل بالغ عاقل وغير عضو في مجلس اللوردات أن يترشح في أية انتخابات . لا يوضع أي شرط مقيد آخر وذلك لأن الأساس هو الحرية شبه المطلقة في ممارسة الحياة السياسية لكل مواطن والثقة التامة في قدرة المواطنين الناخبين في اختيار الأفضل والأحسن ورفض الأسوأ .

هذه البديهية الديمقراطية تنقلب إلى حزمة من الشروط المهينة والمقيدة أو المانعة في كثير من الانتخابات العربية . فاشتراط أنه لا يحق لأحد الترشح لانتخابات الرئاسة في إحدى الدول العربية إلا إذا كان قد سبق وجوده في قيادة أحد الأحزاب المرخصة وأن ذلك الحزب قد وجد قبل الانتخابات بخمس سنوات على الأقل هو اشتراط ينسف أسس الديمقراطية ويقصد به حجر الحق في الترشيح ضمن مجموعة صغيرة من المواطنين .

فإذا أضيف إلى ذلك اشتراط موافقة هيئة الانتخاب الحكومية المعينة، والمشكوك في حيدتها ونزاهتها، على نزول هذا المرشح أو ذاك في الانتخابات فإننا ندق المسمار الأخير في نعش تلك الانتخابات التي ستكون مزورة حتى قبل أن يطلب من الناخبين الادلاء بأصواتهم .

وينطبق الأمر نفسه على بلد عربي آخر عندما تم تعيين لجنة أو هيئة من أشخاص يتمتعون بسمعة سيئة وبتاريخ انتهازي مختلط بالاستعمار والطائفية والعنف ليحكموا على من يريد النزول في الانتخابات . ان هذا البلد يفعل الأمر نفسه عندما يحصر الحق في خوض الانتخابات في مجموعة من الشعب ويحرم فئة من الشعب لأسباب سياسية انتهازية بحتة .

ومن المصادفات الساخرة أن الذين يراد استبعادهم لأسباب قانونية عبر ديمقراطية، ومتصادمة مع كل أسس العدالة ومفاهيم المواطنة، أفضل بمراحل، سواء في عملهم أو تاريخهم الشخصي أو تحكمهم في القول المنطقي أو فهمهم لقضايا الأمة العربية الكبرى، أفضل ممن يحكمون الآن أو ممن يراد ترشيحهم ليحكموا في المستقبل وكأن اللعبة الانتخابية العربية انقلبت إلى وضع كل الشروط التعجيزية أمام أي عنصر واعد نظيف حتى تبقى الحياة السياسية العربية في وحل التخلف والهيمنة من قبل الجهلة والفاسدين .

هناك مدرسة في الفكر السياسي تعطي أهمية أكبر بكثير لعملية الترشح والترشيح في الانتخابات مقارنة بعملية التصويت نفسه . فحتى لو كان التصويت حراً ومن دون تزوير، وهو أمر نادر إن لم يكن غائباً في كل الانتخابات العربية، فإن وضع الشروط الجائرة لتقييد الترشيح تضع ألف علامة استفهام حول ذلك التصويت .

إن مكونات العملية الانتخابية، في أي بلد، وفي أي مستوى من الأهمية، تتلخص في شروط الترشح، شروط التصويت، شروط المصوتين، نزاهة العملية الانتخابية، نزاهة المراقبين لكل مكونات الانتخاب من بدايته إلى نهايته، وأخيراً القوانين الضابطة الحاكمة للعملية . إنها مكونات متداخلة مترابطة مكملة لبعضها بعضاً . إن أي نقص في أي منها يجرح المكونات الأخرى .

لكن في بلاد العرب، الممسوكة رقبتها السياسية بقبضة الاستبداد والبطش الأمني والفساد المالي والذممي وضعف المجتمع المدني إلى حدود العجز وسكرات الموت، فإن كل تلك المكونات مخترقة بصورة فاضحة مخجلة . ولذلك فإن الطريق إلى الديمقراطية في أرض العرب السياسية الجدباء هو طريق ممتد طويل، لا تختصره الحركات البهلوانية في هذه الصحيفة أو تلك المحطة التلفزيونية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"