الانتفاضة «الإسرائيلية»؟

02:35 صباحا
قراءة 4 دقائق
عاصم عبد الخالق

الأيام والأسابيع المقبلة ستكشف ما إذا كانت ثورة الغضب الفلسطينية الحالية هي بداية الانتفاضة الشعبية الثالثة أم مجرد موجة عابرة من موجات النضال الفلسطيني المتواصل ضد الاحتلال. إعلان اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة ما زال مؤجلاً حتى الآن رغم إرهاصاتها الحالية.
وبالتالي فإن انفجارها على نطاق شعبي واسع كما حدث في الانتفاضتين الأولى والثانية ليس مؤكداً بعد. إلا أن المؤكد أن هناك على الجانب الآخر ثورة غضب «إسرائيلية» حقيقية يتعرض لها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، سواء من معسكره اليميني المتطرف أو من المعارضة اليسارية، لأسباب ودوافع مختلفة على الجانبين.
اليمين واليسار يتفقان على فشل نتنياهو وضعفه. المعسكر الأول يرى أنه كان يجدر به اتخاذ إجراءات أكثر قوة وصرامة ضد الفلسطينيين. والمعسكر الآخر لا يمانع بالطبع في قمع الفلسطينيين، ولكنه يرى أن إجراءات نتنياهو متأخرة، وسياسته هي المسؤولة عن انفجار غضب الفلسطينيين لأسباب كان يمكن تجنبها.
في اليمين يواجه نتنياهو تمرداً حقيقياً من أقطاب معسكره المتشدد، والذين سارعوا بالمزايدة على مواقفه وسياساته التي لا يختلف أحد على تطرفها وجمودها. أحد تجليات هذا التمرد الخطير كانت التظاهرة التي نظمتها الأحزاب اليمينية وغلاة المتطرفين وقادة المستوطنين بمشاركة وزراء في الائتلاف الحاكم نفسه.
حدث هذا يوم الخامس من أكتوبر تشرين الأول الجاري، واتخذ المشاركون في التظاهرة من منزل رئيس الوزراء في القدس وجهة لهم، في إشارة واضحة إلى أنه شخصياً المستهدف وليس الحكومة كلها. هذا التحدي غير المسبوق وصفه الكاتب والمعلق الإذاعي «الإسرائيلي» بين كاسبيت بأنه هو الانتفاضة الحقيقية التي تشهدها «إسرائيل» وليست التظاهرات الفلسطينية في الضفة حالياً.
لم يبالغ الكاتب في وصفه بأن ما حدث كان تمرداً واضحاً على زعامة نتنياهو قاده شركاؤه في الحكومة وحلفاؤه في الأحزاب اليمينية وهي قاعدته السياسية الصلبة. أهم المطالب التي يرفعونها هي تكثيف الاستيطان والبدء في بناء مستوطنة جديدة في الضفة رداً على التصعيد الفلسطيني. بالإضافة إلى إعادة اعتقال الأسرى الذين تم الإفراج عنهم في صفقة الجندي جلعاد شليط عام 2011 مع ضرورة استخدام أقسى درجات القمع والشدة ضد المتظاهرين الفلسطينيين، والتوسع في هدم منازلهم.
أحد أبرز الوجوه في التظاهرة كان نفتالي بينيت زعيم حزب البيت اليهودي. ورغم أنه يتولى حقيبة التعليم في الوزارة الحالية إلا أنه وجد في الأحداث الجارية فرصة ثمينة لكسب نقاط جديدة في معركته السياسية مع نتنياهو باعتباره أحد أهم منافسيه على زعامة اليمين. يرى بينيت أن الأزمة الحالية مناسبة جيدة لتقديم نفسه إلى المجتمع الإسرائيلي باعتباره الزعيم المقبل لليمين يدعمه في ذلك صغر سنه، ولباقته وقدرته على التعامل مع الإعلام. أما أهم نقاط قوته (بالمقاييس الإسرائيلية) فهي تطرفه من جانب وفشل نتنياهو من جانب آخر.
الصراع بين الرجلين ليس جديداً ولا سرياً. ولا يخفي بينيت طموحه الشخصي ورغبته في تزعم اليمين. إلا أن كليهما لديه حسابات خاصة تجعل من الضروري تجنب إبراز هذا الصراع على الملأ في الوقت الراهن. بينيت من جانبه لا يستطيع ترك الائتلاف حالياً لأنه يستثمر وجوده فيه لتعزيز صورته وكسب أرض جديدة. كما أنه ونظراً لحداثة عهده بالعمل السياسي في حاجة لمزيد من الوقت والخبرة قبل المجاهرة بمنافسة سياسي مخضرم مثل نتنياهو.
مشكلة بينيت الكبرى هي أنه يتزعم حزب من أقصى اليمين وهو ما يجعل مهمته أكثر صعوبة في التنافس على منصب رئيس الوزراء. لذلك فإن الأفضل له في الوقت الحالي الاكتفاء بدعم موقفه السياسي مع الاستمرار في جهوده للنيل من نتنياهو وإظهاره بمظهر الفاشل والضعيف، انتظاراً لمرحلة الحسم عندما تحين معركة الانتخابات المقبلة.
وليس بوسع نتنياهو الذي يعي ذلك كله الإطاحة بخصمه خارج الائتلاف حتى لا يخسر مساندة حزبه «البيت اليهودي» وكي لا يعمق الانشقاقات في صفوف اليمين. كما أن وجود بينيت خارج الحكومة سيجعله أكثر شراسة في الهجوم على نتنياهو لتحلله من القيود الأدبية التي تلجم تصريحاته العدائية ضد رئيس الوزراء باعتباره أحد أعضاء حكومته.
على الجانب الآخر يواجه نتنياهو تحدياً لا يقل قوة ولا خطورة عليه من أحزاب الوسط واليسار ويتزعمها اسحق هيرتزوغ (الاتحاد الصهيوني). ويتفق هذا الأخير مع اليمين في أن نتنياهو فشل، ولكن ليس لأنه لم يتخذ إجراءات قمعية بما يكفي وإنما بسبب تأخره في اتخاذ ما يلزم من قرارات. كما يعتبر هذا المعسكر أن نتنياهو مسؤول منذ البداية عن إشعال الموقف وإثارة غضب الفلسطينيين. ولذلك فهو كما يصفه هيرتزوغ أصبح أحد عوامل التهديد ل «إسرائيل».
المطلب الرئيسي للمعارضة الآن هو استقالة نتنياهو بعد أن فشل في تقديم أي حلول أو احتواء الاضطرابات والعنف. وحتى قراره الأخير بمنع الوزراء وأعضاء حزبه في الكنيست من دخول الأقصى تعتبره المعارضة متأخراً جداً.
بات الاستياء من نتنياهو شعوراً مشتركاً بين اليمين واليسار والوسط. وأصبح فشله موضعاً لإجماع الحلفاء والخصوم على السواء رغم تباين مواقفهم السياسية واختلاف، بل تناقض، وجهات نظرهم حول أسباب هذا الفشل.
ثمة اتفاق آخر يجمع عليه الطرفان وهو أن الأوضاع توشك أن تفلت من يد الحكومة. وقد لخص هيرتزوغ هذا المعنى بقوله إن نتنياهو وأعضاء حكومته فقدوا السيطرة على كل شيء باستثناء صفحاتهم الخاصة على «الفيس بوك».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"