الانقسام يوازي نكبة جديدة

03:02 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

صادفت قبل أيام ذكرى الانقسام الدموي الفلسطيني في غزة في سنة 2007 الذي سقط خلاله 600 قتيل بعد أشهر من اتفاق مكة المكرمة الذي نص على تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة حركة حماس، لكن حسابات المتصالحين في مكة لم تدم طويلاً، حيث شن مسلحو حماس هجمات منسقة على مراكز أمنية تابعة للسلطة الفلسطينية. وقد صدرت بعض الأوامر لحرس الرئاسة وغيرهم بعدم الاشتباك مع عناصر حماس، وتقاعس آخرون عن الدفاع عن مواقعهم بسبب الحالة النفسية التي كانت سائدة في حينه من ترهل وعدم قبض رواتب على مدى شهور إبان فترة حكومة حماس الأولى، ولم يعد للأمن الرسمي حافز لمقاومة انقلاب حماس، وكانوا في مقرات بلا قادة، ويحرسون منشآت ومنازل بلا مسؤولين ذهبوا إلى رام الله. نجحت حماس في تدبيرها لانقلابها في تحييد ضباط وشراء ذمم، كما اشترت أسلحة من ضباط من مستودعات السلطة، ولعل تقاعس القيادة السياسية الفلسطينية وعدم اتخاذها ما من شأنه مواجهة الانقلاب أغرى حماس التي استعدت مطولاً لتلك اللحظة. وكان اغتيال اللواء موسى عرفات في بيته قرب المقرات الأمنية ومنزل الرئيس، إشارة إلى تضعضع أجهزة السلطة، حيث لم يتحرك أحد لنجدته.
وكان الشيخ القطري حمد بن جاسم آخر من زار غزة، والتقى قادة حماس قبلها بأسبوعين، وهو الذي تولى فيما بعد مهمة الوساطة التي تبين أنها محاولة لفرض إملاءات حماس على السلطة. ومنذ تسلم حماس السيطرة على غزة تراجعت الأحوال المعيشية، لكن السلطة ظلت تدفع رواتب الموظفين، بمن فيهم قادة ووزراء ونواب حماس حتى سنوات قليلة ماضية، وتسدد فواتير الكهرباء للاحتلال والوقود عن شركة توليد الكهرباء. وفي تلك الفترة شن الاحتلال ثلاثة اعتداءات على غزة، هي «الرصاص المصبوب» قي نهاية سنة 2008 واستمرت 21 يوماً. وقد دمر الاحتلال خلالها أكثر من 4100 مسكن، وأدى العدوان إلى استشهاد أكثر من 1436 شخصاً، واعترفت سلطات الاحتلال بمصرع 13 «إسرائيلياً»، بينهم 10 جنود.
وفي ال 14 من نوفمبر 2012، شنت «إسرائيل» عدواناً ثانياً على قطاع غزة، تحت مسمى «عمود السحاب»، وبدأت الحرب عقب اغتيال الاحتلال لأحمد الجعبري، قائد كتائب عز الدين القسام، وتحدثت وسائل إعلام «إسرائيلية» عن سقوط 6 قتلى «إسرائيليين»، واستشهاد 162 فلسطينياً. وهدمت «إسرائيل» 200 منزل بشكل كامل. وفي السابع من يوليو / تموز 2014، شنت «إسرائيل» عدوانها الثالث على قطاع غزة، وأسمته «الجرف الصامد»، واستمر 51 يوماً، وتسبب باستشهاد 2322 فلسطينياً وتدمير 12 ألف منزل.
في المقابل كشفت بيانات رسمية «إسرائيلية» عن مقتل 68 عسكرياً من جنودها، و4 مدنيين، إضافة إلى عامل أجنبي.
حصيلة كبيرة من الخسائر البشرية المتلاحقة جعلت الوضع المأساوي في غزة يتفاقم، وهو الأكثر خطورة على الإنسان فوق الأرض حالياً. وحتى الآن تبقى سياسة الاحتلال نفسها وهي توجيه ضربات مدمرة لغزة وإزهاق الأرواح، كما يحدث على السياج الحدودي منذ أكثر من سنة. وتتبلور سياسة الاحتلال في الإبقاء على الانقسام الفلسطيني كذخر استراتيجي، لأنه يمنع إقامة دولة فلسطينية، وهي ذريعة أمريكية «إسرائيلية» أثيرت في كل المفاوضات، وهدف الاحتلال هو إضعاف حماس، وليس القضاء عليها، وهذا ما قاله إيهود باراك وزير الحرب «الإسرائيلي» الأسبق حرفياً للواء عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية السابق في قمة شرم الشيخ لإعادة إعمار غزة، وحضرها رؤساء دول أوروبية وآخرون.
فقد انتحى اللواء سليمان بالوزير باراك جانباً، وسأله إلى أين أنتم ذاهبون في غزة؟ فرد عليه إلى لا شيء، فنحن نريد إضعاف حماس فقط، ونعرف أن ثلاثة من قادتها مختبئون في منطقة الشيخ عجلين، ولم نمسهم، وهناك قادة في قسم الأطفال في مستشفى الشفاء، ولا نريدهم!
قمة شرم الشيخ خصصت ستة مليارات دولار لإعادة إعمار غزة، لكن حركة حماس اشترطت أن يكون الإعمار عن طريقها، وهو ما أفشل المشروع. لكن الضرر السياسي للانقسام في حساب السياسيين أكبر من الضرر المادي الذي لحق بالفلسطينيين، لأنه قوض المشروع الوطني الفلسطيني لإقامة الدولة، ولعله الآن، أي الانقسام، أحد أعمدة «صفقة القرن» التي ترمي إلى تصفية القضية الفلسطينية بالكامل، فالانقسام بات رديفاً للنكبة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"