البحرين: عودة أجواء الحوار

01:46 صباحا
قراءة 4 دقائق

بين الأخبار القاتمة المتعلقة بالمنطقة ثمة خبر طيب من البحرين حول عودة أجواء الحوار إلى هذا البلد مع استقبال ولي عهد المملكة الأمير سلمان بن حمد آل خليفة وفداً من جمعية الوفاق وذلك بتكليف من العاهل البحريني . حيث قال متحدث باسم الحكومة البحرينية في بيان له يوم الخميس إن لقاء ولي العهد لاحياء محادثات المصالحة جاء بمبادرة من الملك الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، وورد في بيان المتحدث الحكومي أن المحادثات التي ستجري في المستقبل ستركز على قضايا منها القطاع التشريعي والقضائي والدوائر الانتخابية، وجاء في موقع ولي العهد على "تويتر" أن الأمير سلمان التقى كذلك بعدد من الشخصيات السياسية المستقلة وأعضاء في البرلمان ومجلس الشورى .
وحث ولي العهد على "الوصول لتفاهمات حقيقية من أجل تحقيق كافة ما يمثل مصلحة ومستقبل الوطن في الحفاظ على أمنه واستقراره وسلامة مواطنيه ووحدتهم الوطنية، مؤكداً أن المؤسسة التشريعية ستظل دائماً مساندة لمسيرة التطوير والإصلاح وترسيخ مفهوم دولة المؤسسات والقانون بالتطبيق العملي" .
تكمن أهمية هذه المبادرة في أنها جاءت بعد نحو أسبوع فقط على توقف جلسات الحوار التي امتدت على مدى السنة الماضية . وتخللتها مقاطعة لطرف في المعارضة، ثم انسحاب جمعيات أخرى .
المبادرة لاقت أصداء طيبة في العالم، وهو ما يدلل على مكانة البحرين الدولية، فقد أعلن المتحدث باسم المفوضية العليا للسياسة الخارجية الأوروبية كاثرين آشتون عن ترحيب الأخيرة بالتطورات السياسية في البحرين، وقال المتحدث في بيان من بروكسل إن آشتون رحبت ترحيباً حاراً بهذه التطورات . كما رحبت وزارة الخارجية الفرنسية بإعادة إطلاق الحوار، وقالت إن استئناف الحوار يسمح بضمان التهدئة، كما رحبت بها الخارجية الأمريكية .
ولا شك أن البحرينيين أصحاب الشأن هم الطرف الأكثر ترحيباً وتفاؤلاً بهذا التطور الإيجابي الذي كان متوقعاً، والذي يؤمل أن يتم استخلاص مغزاه الحميد بالتقاء سائر الأطراف الاجتماعية والسياسية مجدداً نحو مائدة الحوار بغير شروط ومن دون مقاطعة أو انسحاب، مع توفير أجواء مناسبة خارج مائدة الحوار لا تشكل ضغطاً على المتحاورين، أو حرفاً للحوار عن مجراه .
ومع احترام حق التعبير فقد كان من اللافت قيام بعض أطراف المعارضة بتسيير مظاهرة في اليوم التالي لهذه المبادرة، وهو ما لا يتوافق مع العودة إلى أجواء الحوار، إذ أن تكريس الوفاق والمصالحة والتلاقي حول المشتركات الوطنية هي مصلحة للجميع، وليس مكسباً لفئة أو طرف بعينه، ومن المهم التذكير بأن آلية الحوار كما رشح عنها خلال العامين الماضيين هي إطلاق حوار وطني شامل، يجمع مكونات الطيف الاجتماعي والسياسي وشخصيات مستقلة وبرلمانيين، بصرف النظر عن معارضة البعض وانسحاب البعض الآخر الذي أربك هذه المسيرة، ومن هنا يرتدي الحوار أهميته كملتقى جامع يتعدى أية حوارات ضيقة أو ثنائية . والمأمول الآن أن ينطلق هذا الحوار، ويشيع مجدداً روح الوحدة الوطنية ومبدأ المواطنة وأهمية الأمن والاستقرار في أجواء من العدالة .
ومع التأكيد على اهمية الحوار كمناخ عام وآلية دائمة لا تقتصر على مناسبات ظرفية، فإن هذا الحوار لا يشكل بطبيعة الحال بديلاً عن المؤسسة التشريعية المنتخبة، التي تقوم بدور الرقابة وسن القوانين، وتحتفظ بصفة تمثيلية غير منقوصة . لقد كان من شأن انسحاب واستقالة عدد من نواب المعارضة (18) أن أضعف فرص الحوار قبل ثلاث سنوات، علماً بأن السلطات قد أقرت بوقوع بعض التظلمات، واستجابت في حينه لفحوى تقرير لجنة تحقيق دولية محايدة واتخذت إجراءات بحق مخالفين ومتجاوزين . وربما رأت المعارضة أن ذلك غير كافٍ، وقد كان مجلس النواب (المجلس الوطني) هو المنبر الصالح لتسجيل أي اعتراضات على أداء للسلطة التنفيذية .
ليس معلوماً الآن ما هي النقاط التي تم التوافق حولها بين ولي العهد البحريني وبين ممثلي ست جمعيات سياسية الأربعاء الماضي في المنامة 15 يناير/ كانون الثاني الجاري . غير أن المرء يستشف الحاجة إلى تجديد الحوار والانتقال منه إلى التحضير لانتخابات جديدة، كتتويج للمسيرة الحوارية، ومن اجل تمكين الناخبين من اختيار ممثلين لهم في أجواء سياسية جديدة خالية من التوترات ومن التظلمات أو الادعاء بها، والحؤول دون أي تدخلات خارجية تمس سيادة الوطن والدولة وتشوش على الوحدة الوطنية، وهو ما يستحق أن يتنادى الجميع للإقرار به درءاً للفتن والعبث بالنسيج الاجتماعي .
مملكة البحرين التي شهدت منذ بداية الألفية الثالثة على الأقل فصولاً من التحول الديمقراطي والمصالحة الوطنية، قادرة بجهود الخيرين من حكمائها الكثر، وبدعم من جميع أبنائها وشرائحها الاجتماعية، على صيانة هذه المسيرة وتطويرها ومعالجة جروحها، والانتقال من ذلك لتعميم ثمرات التنمية الشاملة في جوانبها الاجتماعية والاقتصادية وصولاً إلى التنمية السياسية التي تتيح إنتاج حياة نيابية مستقرة لا محل فيها لمقاطعة أو انسحاب أو تأليب فئات ضد مكونات المجتمع،
تلك هي الآمال وتحقيقها ليس بعزيز على البلد الذي شهد أولى التجارب الديمقراطية في المنطقة قبل أزيد من أربعة عقود .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"