البديل لظاهرة تغيير الحكومات الأردنية

05:58 صباحا
قراءة 4 دقائق

منذ عام مضى وحتى أيام الناس هذه، شهد الاردن وجود ثلاث حكومات . التغييرات هذه تتم على وقع محاولات التكيف مع التوجهات الإصلاحية المعلنة، وتواصل الحراك الشعبي، وموجة الاعتصامات والإضرابات، والموجة الأخيرة شهدت انحساراً وخاصة بعد تشكيل أول نقابة للمعلمين الحكوميين .

على أن تبدل الحكومات الأردنية بمعدل حكومة جديدة كل سنة شمسية، هي ظاهرة سابقة على التطورات الداخلية التي شهدها الأردن ودول المنطقة منذ أواخر العام ،2010 وكادت أن تكون جزءاً ملازماً للأداء السياسي الرسمي . ذلك أن استقالة الحكومات لم تكن تتم عبر حجب الثقة عنها في مجلس النواب، بل بقرار من رأس السلطات . وتعد في جانب منها للتنافس الشديد بين رجالات الدولة، وإلى الولاية العامة المنقوصة للحكومات تحت تأثير نفوذ دوائر أخرى، وإلى الرغبة في استيعاب التذمر الشعبي من صعوبات اقتصادية، فضلاً عن السعي لاكتشاف جيل جديد من السياسيين وتجديد دم النخب الحاكمة، وفي حالات أخرى كان لمجلس النواب دور في إقالة حكومات ليس من خلال حجب الثقة بل بتوقيع مذكرات مرفوعة إلى القصر .

تغيير حكومة القاضي الدولي عون الخصاونة في الأسبوع الأخير من إبريل/نيسان الماضي، تم وسط تباينات معلنة مع القصر بخصوص أولويات الاصلاح، ففيما يشدد القصر على أهمية وضع قانون انتخابات عبر الأقنية الدستورية لضمان إجراء انتخابات برلمانية قبل نهاية العام الجاري، فإن رئيس الوزراء السابق لم يكن يرى في الأمر أهمية عاجلة مقارنة بسيادة القانون ومكافحة الفساد مثلاً . علاوة على سعيه للتمتع بولاية عامة كاملة، وهو أمر لا يصطدم فحسب بمراكز القرار الأخرى مثل الدائرة الأمنية، بل يفترق كذلك عن الصلاحيات لممنوحة لرئيس الوزراء وسلطات رأس الدولة كما نص عليها الدستور والتعديلات الدستورية التي جرت في خريف العام الماضي .

أنظار الرأي العام الاردني تتطلع بحذر إلى أن توفي الحكومة الجديدة برئاسة فايز الطراونة (آخر رئيس حكومة في عهد الراحل الملك حسين)، بتعهداتها بوضع قانون متقدم للانتخاب، وانتزاع موافقة مجلسي النواب والاعيان عليه، وبالتشاور مع القوى السياسية .

القصر يضع أهمية حاسمة للأمر، وذلك من أجل ملاقاة الحراك الشعبي، بالانتقال إلى تشكيل حكومات منبثقة من الانتخابات، يقرر بقاءها ورحيلها البرلمان، مع صلاحيات يُفترض أن تكون أوسع مما هي عليه الآن، وما يتطلبه ذلك من إجراء تعديلات إضافية على الدستور الأردني الذي وضعه الملك الراحل طلال عام 1952 ويعتبر من الدساتير المتقدمة في المنطقة لجهة التأكيد على أن النظام نيابي ملكي، على الحريات العامة جنباً إلى جنب مع أكبر صلاحيات للملك .

التقدم الحثيث نحو هذا الأفق وخلال فترة تقل عن سنة واحدة، من شأنه تجديد النظام السياسي، وتحقيق قدر كبير من المشاركة السياسية، وجذب الأحزاب إليها ضمن عملية منتجة، ولا بأس لو انتقل الحراك إلى الحملات الانتخابية، ففي النهاية سيفوز من يحظى بثقة المقترعين لا أصحاب الأصوات العالية بالضرورة، ولا بالطبع أصحاب الأصوات المنخفضة، بل من يملك إقناع الجمهور بالقدرة على حل المشكلات الفعلية .

معلوم أن أصواتاً قد ارتفعت خلال المد الشعبي تطالب بالانتقال إلى ملكية دستورية، وقد بدت هذه المطالبة غير واقعية، هامشية إلى حدٍ ما، وأقرب إلى قفزة كبيرة إلى الأمام، وربما كشكل من أشكال حرق المراحل، خاصة مع القناعة الواسعة بدور رأس السلطات في حفظ التوازنات الاجتماعية، وفي تعزيز المكانة الرمزية للدولة الأردنية . على أن الانتقال إلى تشكيل حكومات برلمانية أو حزبية من شأنه أن يضع حداً للتوترات الاجتماعية والسياسية، وتداخل الصلاحيات، وتنافس مراكز النفوذ، ويسمح بالانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة نوعياً، تنتقل فيها قوى في المعارضة تزعم احتكار الصواب السياسي الدائم إلى السلطة التنفيذية، وتتحمل مسؤولياتها في الوفاء بتعهداتها للجمهور، مع الأخذ في الاعتبار حجم الموارد المحدودة للدولة .

في وقت سابق من هذا العام رفع متظاهرون ليس بعيداً عن الديوان الملكي في العاصمة عمّان لافتات تطالب ب حكومات من صنع الشعب، أي حكومات منتخبة، وهو مطلب وجد له صدى عند رأس الدولة، حين صرح في غير مناسبة بما يفيد بأن الحكومات البرلمانية هي هدف موضوع نُصب الأعين . وواقع الأمر أن بلوغ هذا الهدف كفيل بوضع حد لظاهرة التغيير السريع للحكومات، وما يتصل بها من نزعات الاستيزار لدى النخب كما لدى قوى اجتماعية تقليدية، يلجأ بعضها إلى المناكفة إن لم يصادفه الحظ، ومن نزف اقتصادي يتمثل برواتب عالية وامتيازات للوزراء، كما لأعداد تعز على الحصر من الوزراء السابقين الذين يتقاضون رواتب تقاعدية، فضلاً عن الانعكاسات السلبية لظاهرة تغيير الحكومات على برامج التنمية، فالوزير يمضي أقل من سنة وأحياناً بضعة أشهر فقط، فما إن يتعرف أوضاع وزارته وميزانيتها ويشرع في وضع الخطط والمشاريع، حتى يطير ويحل محله وزير جديد غالباً ما يبدأ من الصفر، فيشرع من جهته في السعي لوضع بصمته على وزارته، فإذا برياح التغيير تهب على الحكومة، وهكذا دواليك في حلقة مفرغة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"