التدافع الدولي على ثروات القطب الشمالي

01:23 صباحا
قراءة 4 دقائق
يوم 30 مارس/‏ آذار 2017، شارك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في المنتدى الدولي الرابع لمنطقة القطب الشمالي (آركتيكا). تحت عنوان «آركتيكا - مساحة الحوار»، وكان موضوعه الرئيسي «الإنسان في آركتيكا». مجلس منطقة القطب الشمالي هو منتدى حكومي دولي رفيع المستوى يوفر آلية للتصدي للشواغل والتحديات المشتركة التي تواجه حكومات وشعوب منطقة القطب الشمالي. والدول الأعضاء في المجلس هي: كندا والدانمرك (بما في ذلك جزر جرينلاند وفارو) وفنلندا وايسلندا والنرويج وروسيا والسويد والولايات المتحدة الأمريكية. وهناك ست منظمات دولية تمثل العديد من مجتمعات السكان الأصليين بالمناطق القطبية لها وضع مشارك دائم في مجلس منطقة القطب الشمالي.

ولا بد أولاً من تأكيد أن اهتمام بوتين ب«آركتيكا» يعود إلى أن مستقبل الاقتصاد الروسي يرتبط بالتنمية المستدامة في منطقة القطب الشمالي. وقد كشف بوتين نفسه في المنتدى «أن أكبر احتياطي من المواد الخام للاتحاد الروسي تتركز في القطب الشمالي، وأنها تسهم بشكل كبير في تطوير الاقتصاد الروسي. على سبيل المثال، بلغت الاحتياطات المؤكدة من الغاز في منطقة القطب الشمالي حوالي 80% من الغاز في سائر روسيا. وكذلك 90% من احتياطات النفط والغاز القابلة للاستخراج في الجرف القاري، 70% في بارنتس وبحر كارا».
استند الرئيس الروسي إلى دراسات الأكاديمية الروسية للعلوم، إلى أن منطقة القطب الشمالي يتركز فيها الحصة العظمى من الاحتياطات الوطنية والعالمية. 40% من الذهب، و60% من النفط، وبين 60% إلى 90% من الغاز، و90% من الكروم والمنجنيز، أما المعادن البلاتينية فتقدر بنحو 47%، والألماس النقي بنحو 100% و90% من النيكل والكوبالت، و60% من النحاس والنفط، بقيمة احتياط إجمالية حوالي 1.5 إلى تريليوني دولار.
وتسهم ثروات القطب الشمالي ب 11% من الدخل القومي الروسي، و22% من حجم الصادرات الروسية. ولا تكمن المسألة في الثروات الطبيعية فقط؛ حيث إن سدس كمية الأسماك التي يصطادها أسطول الصيد الروسي مصدرها هذه المنطقة.
من هنا يمكن فهم مطالبات مراكز الدراسات الاستراتيجية الأمريكية بإيلاء الولايات المتحدة اهتماماً بالغاً ب«آركتيكا» نظراً إلى العوامل التالية:

}} العامل الأول: التأثير الوشيك للتغير المناخي على المنطقة القطبية، ومن ثم على حركة الملاحة الدولية، فمع الانكماش السريع للغطاء الجليدي في القطب الشمالي، فإن الممرين الشمالي الشرقي والشمالي الغربي، سوف يعملان الآن على تقليص وقت وتكاليف الشحن، وتقريب الصين واليابان من أوروبا والساحل الشرقي لأميركا الشمالية بدرجة كبيرة. إن طريق القطب الشمالي يوفر 30% من المسافة، وستة أيام من الوقت للسفر؛ ولذا فإن عدد السفن القطبية التي تسافر عبر الطريق البحري القطبي تضاعف تسع مرات خلال الأعوام الأخيرة، ما أدى إلى زيادة كبيرة في الطلب على صناعة السفن والشاحنات القطبية المتخصصة وكسارات الثلوج.

}} العامل الثاني: تكهنت مراكز الدراسات الأوروبية، بأن صراعاً قد ينشب بين العالم الغربي وروسيا على منطقة القطب الشمالي، داعية إلى ضرورة أن تتأهب الدول الأوروبية ل(حروب الطاقة) القادمة هناك؛ حيث ترى عديد الدول الطامحة أن القطب الشمالي منطقة جذابة جداً نظراً لقرب موقع منطقة القطب الشمالي من أوروبا والولايات المتحدة ما يسمح بخفض نفقات النقل، ويشكل ضماناً جيداً لأمن الإمدادات، مقارنة مع الشرق الأوسط. كما أن الاتحاد الأوروبي يولي أهمية كبيرة له في محاولته تنويع مصادر إمداده الطاقة؛ حيث إن ربع الغاز الطبيعي الذي يحصل عليه الاتحاد الأوروبي حالياً، يأتي 25% من روسيا، و15% من النرويج. ويرون أنه إذا كان من الممكن استغلال ثروات بحر بارنت، فمن الممكن بعد ذلك مد أنبوب جديد للغاز لربطه بشبكات أنابيب الغاز الموجودة في أوروبا. فالصراع على نفط القطب الشمالي يعود إلى أنه على العكس من القطب الجنوبي لا تحدد معاهدة متعددة الأطراف الوضع القانوني للقطب الشمالي.

كذلك يكن لممر المحيط الشمالي أن يغير من حركة الملاحة الدولية، فنقل البضائع من ميناء بوسان الكوري إلى روتردام الهولندي عن طريق قناة السويس، تستغرق الرحلة 40 يوماً، بينما تصبح في حالة استخدام طريق القطب الشمالي 30 يوماً فقط.

}} العامل الثالث: الاستفادة من الموارد الطبيعية الموجودة في المنطقة كالنفط والغاز. فالاحتياطات التقديرية تحت المحيط المتجمد الشمالي أضخم بكثير من المعلن. وقيمة هذه الاحتياطات قد تعادل ما يفوق 7 تريليونات دولار، وفقاً لتقديرات شركات الطاقة الدولية، وإذا أضفنا الغاز الطبيعي فإن قيمة هذه الاحتياطات ربما تصل إلى 10 تريليونات دولار كتقدير متحفظ.

أهم الأفكار المطروحة من مراكز الدراسات الاستراتيجية الأمريكية بشأن القطب الشمالي فتتلخص بضرورة المساهمة في الصراع الدائر من أجل القطب الشمالي، لأن الولايات المتحدة تخلفت في هذا المجال كثيراً عن المنافسين الآخرين. ويصف بعضهم المنافسة الجارية حول القطب الشمالي ب«الحرب الباردة الجديدة». ويعتقد بعضهم الآخر أن بلادهم في هذه «الحرب» تخسر أمام منافسيها وخاصة أمام روسيا.

ولا تلاحظ الولايات المتحدة تغير الظروف البيئية والاقتصادية والجيوسياسية في المنطقة، وعلى العكس دخلت روسيا بنشاط في هذه المنافسات، فموسكو تبني 10 محطات للبحث والإنقاذ، وتعزز وجودها العسكري وتعيد الحياة إلى القواعد السوفيتية المتروكة.

ويقول الخبراء الروس إن «الأمريكيين يقلبون الصورة رأساً على عقب» عندما يتحدثون عن النشاط الروسي في المنطقة، وأنه في تسعينات القرن الماضي انسحبت روسيا من المنطقة القطبية الشمالية، وتخلت عن عدد كبير من المعدات ونقاط المراقبة الجوية وقواعد الإمداد بسبب نقص الأموال. في حين استمرت الولايات المتحدة في تعزيز وجودها العسكري البحري في المنطقة. وهناك أصوات في كندا تطالب بمحاورة الروس حول منطقة القطب الشمالي، على الرغم من الاختلاف الكندي مع السياسات الروسية في بعض القضايا. ويرون أن كندا وروسيا وهما: البلدان المسيطران على 75 في المئة من مساحة القطب الشمالي، يواجهان تحديات مشتركة في القطب الشمالي..

د. عبد العظيم محمود حنفي

خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"