التعايش السعيد بين الطوائف في الإمارات

02:51 صباحا
قراءة 3 دقائق
قال لي صديق من ملة مسيحية يعيش في الإمارات، منذ ما يقرب من أربعين عاماً، وقد اتصلت به أهنئه بعيد الميلاد العام الفائت، نحن بخير وفي أحسن حال، ونسأل الله أن يديم علينا نعمة السعادة التي نحن فيها وفي الإمارات . وأضاف، كنت مع زوجتي في إحدى الكنائس التابعة لملتنا ارثوذوكس الليلة السابقة للعيد في منطقة الكنائس في دبي من الغرب، وكانت الكنائس مملوءة بالناس الذين يأتون من كل أنحاء الإمارات لأداء الصلاة في هذا اليوم المبارك الذي ولد فيه السيد المسيح .
وتعليقاً على كلام هذا الأخ . . ماذا يعني تجمع هذا الحشد من الملل والنحل في بلد مسلم السمة، وأهله مسلمون وانحدر إليهم الإسلام منذ أن خرج إلى الوجود قبل ما يقارب ألفاً وخمسمئة من السنين . . الجواب على هذا يأتي بعفوية ومن غير تكلف، أن هذه البلاد وأهل هذه البلاد، عُرفوا بالتسامح وتقبل الآخر طالما كان هذا الآخر يريد أن يعيش مسالماً وينشر السلام .
وليس من التكرار أن نقول إن في الإمارات وفي مدينة دبي على وجه الخصوص، يعيش ما يزيد على مئتي جنسية من الناس، أي أن هذا الحشد الكبير من الجنسيات ينتمي إلى أكثر من مئتي بلد في العالم . وما من شك أن هؤلاء ينتمون إلى ملل ونحل وطوائف تختلف في عقائدها وفي ثقافاتها، والشيء الوحيد الذي يجعلها متضامنة وفي عيشة راضية هو الشعور بالأمان والسلام والاطمئنان إلى أنفسها وأموالها وأعراضها وأن لا أحد يعرضها لأي نوع من الخوف . . وما دامت هذه العوامل السليمة هي ديدن العيش في هذه البلاد، فإن ذلك يعني أن الناس تعيش في بلد متحضر وبين ظهراني مجتمع متحضر، ومثل هذا العيش هو الذي يؤدي إلى العمران وإلى الرفاه . فالناس جميعاً تتكاتف من أجل استمرار العيش الرغيد، لأن في ذلك فائدة عامة ومستدامة للجميع .
وفي دبي، هناك منطقة خاصة بالكنائس للطوائف المسيحية التي تعيش، كل طائفة لها كنيستها الخاصة . ولو رأى أحدنا هذه الطوائف التي ملأت باحات كنائسها التي تربو في العدد على العشر، عشية عيد الميلاد والناس تحتشد في هذه الكنائس لأداء الصلاة، لشعرتَ فعلاً بقيمة المجتمع المتعدد والمتمدين الذي لا يسأل الآخرين عما يعبدون وما يؤمنون به من الطقوس، ولكنه يسأل عما يعمل هذا وما ينتج ذاك وما يقدم للمجتمع من منفعة .
وفي دبي أيضاً يعود تاريخ التعددية الدينية والطائفية إلى السنين الأخيرة من القرن التاسع عشر وإلى أوائل القرن العشرين، أي أن زمن وجود هذه الطوائف يصل إلى مئة وعشرين عاماً، وإلى عهد الشيخ مكتوم بن حشر بن مكتوم الذي تولى الحكم في ،1894 وتوفي عام ،1906 وعندما تم بناء السوق المحاذي لجمارك دبي على الخور، وهو السوق المسمى بسوق البانيان، أقامه جماعة من الهندوس الذين استأجروا محالّ لتجارتهم في السوق، وسكنوا أعلى محالّهم في غرف بُنيت خصيصاً للسكن، أقاموا معبداً لأداء طقوسهم الدينية، كما استأجروا أرضاً لحرق موتاهم حسبما تقتضيه ديانتهم .
ولم يهتم الإنجليز بالرغم من وجودهم في الإمارات منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر بإقامة دور العبادة لهم، لأن الإنجليز معروفون بعدم التمسك بالطقوس الدينية باعتبارهم بروتستانت، الأكثر علمانية وليبرالية وليسوا كاثوليك الأكثر التصاقاً بالتعاليم الدينية . . وفي الزيارة الثانية لصامويل زويمر القس الأمريكي الكاثوليكي لدبي عام ،1918 طلب هذا القس من حاكم دبي إذ ذاك الشيخ سعيد بن مكتوم السماح بإنشاء كنيسة في دبي على غرار معبد البانيان الذي رآه زويمر في السوق ببر دبي .
وكان رد الشيخ سعيد بن مكتوم رداً دبلوماسياً ذكياً، أنه لا مانع من ذلك ولكن الهنود ليسوا كالأمريكان والأوروبيين، فالهنود لا يتدخلون في شؤوننا .
وتأخر فتح كنيسة في دبي حتى العام ،1966 حيث افتتحت كنيسة القديسة مريم الكاثوليكية ملحقة بمدرسة راشد الصالح التي كان يديرها الرهبان والراهبات من لبنان وإيطاليا . . وهي أول كنيسة ومدرسة للرهبان في الإمارات، وهناك اليوم في دبي أكثر من عشر كنائس ومعابد افتتحت مبانيها، لطوائف مختلفة من المسيحيين، كما يوجد معبد لجماعة السيخ المنشقة من الهندوسية . وبهذه الحقائق، فإن دبي تعد بحق مدينة التعددية والوجه المشرق للإمارات في التعايش السعيد بين الطوائف والملل .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"