التيسير الكمي الاستثناء وليس القاعدة

01:47 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عبدالعظيم محمود حنفي

في أوائل 2009 كان الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في ورطة. فقد كانت الولايات المتحدة رهينة السنة الثانية من الركود، ولم يكن هناك أي تحسن في الأمور. وكان الإجراء المعتاد في هذه الظروف يتمثل في خفض أسعار الفائدة قصيرة الأجل لتنشيط طلب المستهلكين ومجتمع الأعمال. ولكن الأزمة كانت قد خفضت أسعار الفائدة قصيرة الأجل لما يقرب من الصفر. لذلك لم يكن في الإمكان خفضها أكثر من ذلك.
تحول «الاحتياطي الفيدرالي» إلى أن يشتري بصورة مباشرة سندات عامة طويلة الأجل لمحفظته مقابل سندات الاحتياطي النقدي التي أنشئت حديثاً بغية توسيع ميزانيته لمحاربة الركود. وربما كان برنامج شراء السندات على نطاق واسع، الذي يطلق عليه غالباً «التيسير الكمي» الأكثر شهرة من بين عدد من الأساليب غير التقليدية التي استخدمت فيها البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة ميزانياتها العمومية أثناء الأزمة العالمية، للتصدي لمخاطر الائتمان الكبير عندما عجزت السياسة النقدية عن خفض أسعار الفائدة أكثر. وإزاء الاضطرابات العميقة والمتنوعة في الأسواق المالية، والاقتصادات العينية. أطلق كثير من البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة أيضاً برامج لتوفير السيولة، بما في ذلك برامج للإبقاء على الأسواق مفتوحة، ولإنقاذ البنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية، ولتوفير النقد الأجنبي اللازم. وأدت هذه السياسات أيضاً إلى تضخم الميزانيات العمومية في البنوك المركزية إلى مستويات غير مسبوقة. وبشكل عام، يمكن اعتبار سياسات الميزانية العمومية الناجحة. على الأقل في منع الانزلاق إلى أسفل في دوامة حلزونية تتعاقب فيها الأزمات المالية والاقتصادية. وقد عاد النمو، وأن كان بمعدل ضعيف في أغلب الاقتصادات المتقدمة. لكن هذا النجاح لا يعني أن هذه السياسات يجب أن تصبح جزءاً من أدوات البنك المركزي المعتادة. فقد استدعت الأزمة تدابير تشكل مخاطر على الأسواق المالية، بل على البنوك المركزية ذاتها أكبر مما يمكن تحملها إلا في الظروف الاستثنائية.
وأجرى الاحتياطي الفيدرالي جولتين من برامج شراء السندات على نطاق واسع: واحدة من مارس/ آذار 2009 إلى مايو/ أيار 2010، والأخرى من نوفمبر/ تشرين الثاني 2010 إلى يونيو/ حزيران 2011.
ونظراً لأهمية الاقتصاد الأمريكي، لا ريب في أن البرنامج قد خفف من الهبوط الاقتصادي العالمي. كما أن سياسات الميزانيات العمومية غير التقليدية قامت بدور مهم في مساعدة الاقتصادات على التعافي من أشد هبوط حاد منذ «الكساد الكبير». وقد أظهرت البنوك المركزية إبداعاً ودرجة كبيرة من الجرأة.
ومن المهم تذكر أن سياسات البنوك المركزية ليست دواء شافياً لكل الأمراض، خاصة عندما تكون المشكلة المتضمنة هي الملاءة. وهناك أيضاً خطر أن تقلل سياسات البنك المركزي الحوافز التي تشجع السياسة على معالجة مشاكل الملاءة الأساسية. ومع انحسار الأزمة المالية وبدء الانتعاش الاقتصادي، قامت البنوك المركزية بإلغاء العديد من عمليات الميزانيات العمومية غير التقليدية ومنها الاحتياطي الفيدرالي. بيد أن العديد من البنوك المركزية في اقتصادات متعددة لا تزال محتفظة بميزانيات عمومية ضخمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"