الجزائر: ولاية رابعة أم رئيس “توافقي”؟

04:06 صباحا
قراءة 4 دقائق

تتهيأ الجزائر لانتخابات رئاسية وسط أجواء يكتنفها الغموض . الرئيس بوتفليقة (76 عاماً) لم يعلن رغبته في الترشح، فيما لا يزال يشكو من متاعب صحية ألمت به على مدى العامين لماضيين . لكن حزب جبهة التحرير، حزب الحركة الوطنية الذي ما فتئ يمسك بمقاليد السلطة منذ الاستقلال قبل خمسين عاماً، قام بترشيح الرئيس لولاية رابعة . وفعل كذلك حزب "كبير" آخر هو الحزب الديمقراطي (68 مقعداً في البرلمان)، الذي يقوده أحمد أو يحيى رئيس الوزراء الأسبق . كما يتردد ان "اتحاد نقابات العمال الجزائريين" يؤيد هذا الترشيح . من دون ان يظهر حتى تاريخه مرشحون جدّيون على استعداد لخوض غمار المنافسة، اذ لم يترشح سوى ياسمينة خضرا الذي أبدى رغبته في الترشح، وهو اسم مستعار لمحمد مولسهول الضابط السابق والروائي "الحالي" . الأجواء الانتخابية تدور في بعض صفحات الصحف والصالونات السياسية، وفي تصريحات لأحزاب معارضة،
وليس في قلب الحياة السياسية كالبرلمان أو التجمعات الجماهيرية .
الأحزاب الإسلامية ممثلة بأحزاب النهضة وحمس والاصلاح، تبدو بعيدة عن ميدان الترشح، وحتى عن التأثير الملموس في مجريات العملية الانتخابية المقررة في 17 ابريل/نيسان المقبل، وقد اختبرت وزنها في الانتخابات التشريعية الأخيرة (2012) حيث فازت مجتمعة ب 66 مقعداً (أقل من 15 في المئة من جملة المقاعد ال 462) . لكن صوتها هو الأكثر صخباً في صفوف المعارضة التي تتشكل من زهاء أربعين حزباً من جملة مئة حزب تقريباً، وبعضها حديث النشأة، وقد طالبت الأحزاب الأربعون مؤخراً بتغيير وزيري العدل والداخلية، واستبدال وزيرين غير حزبيين بهما لضمان نزاهة الانتخاب، ومن المعلوم ان الوزارتين تشرفان على سائر مراحل العملية الانتخابية . وهو مطلب قد يمكن التوافق على إيجاد مخرج له، ولا يشكل بحد ذاته اعتراضاً على جوهر العملية الانتخابية، أو انحيازاً لخيارات سياسية ما .
الأسابيع المقبلة سوف تشهد على الأرجح ظهور بعض المرشحين، خاصة ان ترشيح الرئيس ليس محسوماً . هذا رغم ما تردد خلال الأسابيع الماضية، في أوساط إعلامية عن تعديلات ستجريها الرئاسة على الدستور، سوف تسمح بتمديد ولاية الرئيس لعامين مقبلين مع تعيين نائب له، بما يعني ان الانتخابات لن تقع في عام 2014 بل في عام 2016 .
لكن شيئاً من ذلك لم يثبت، في هذا الصدد تتزايد التقديرات بأن المؤسسة العسكرية سوف تنجح إذا لم يتقدم الرئيس بترشيحه، في تقديم مرشح ذي حظوظ كبيرة أمثال: عبدالمالك السلال، عبدالعزيز بلخادم، علي بن فليس، أحمد أو يحيى . من المعلوم ان لهذه المؤسسة الكلمة الحسم والفيصل في اختيار الرؤساء منذ أول رئيس للبلاد (أحمد بن بلة) حتى انتخاب الرئيس بوتفليقه في عام ،1999 وهو أمر يتعلق أساساً بالحزب الذي ظل حاكماً على الدوام (حزب جبهة التحرير) الذي أفرز النخبة السياسية والعسكرية التي امسكت بمفاصل البلاد على الدوام، حتى هذه الأيام . ولم يتغير الأمر كثيراً خلال العقدين الماضيين، مع التحول إلى خيار الديمقراطية الانتخابية، فالحزب هو الأكبر عدداً في منسوبيه، والأكثر خبرة وتنظيماً، والأكثر تغلغلاً في القطاع الحكومي وحتى في القطاع الخاص، وقد نجح في خلق تيارات داخله وتحت جناحيه على الدوام، وتفادى بذلك عمليات الانشقاق وانبثاق أحزاب جديدة من داخله، كما هي حال حزب الاستقلال المغربي الذي تأثر تنظيمياً بالتجربة الحزبية الغربية، فيما ظل حزب جبهة التحرير أقرب إلى النموذج السوفييتي المركزي . ويذكر في هذا المجال أن الرئيس بوتفليقه منح مؤخراً للمؤسسة العسكرية سلطات أوسع كان بعضها مُناطاً بأجهزة الأمن .
واللافت في هذه الأجواء ان ثمة لجنة تضم خمسة خبراء قانونيين تعكف على وضع دستور جديد للبلاد، وهو ما كان أحد مطالب موجة الاحتجاجات التي جرت في الجزائر بين عامي 2011 و2012 بالتساوق مع هبَات الربيع العربي، الدستور الجديد سيحال إلى البرلمان بغرفتيه النواب والشورى بعد الفروغ منه قريباً لإقراره، ويمكن عرضه على استفتاء شعبي بعدئذ، أو الاكتفاء بتصويت البرلمان عليه . وسيحدد هذا الدستور هوية النظام السياسي إذا ما كان رئاسياً أو برلمانياً . ويجري اعداد الدستور بتكتم شديد، ويحظى باهتمام أقل من الاهتمام الذي توليه القوى السياسية للاستحقاق الرئاسي، رغم ان هذه الوثيقة ستضع محددات المستقبل السياسي للدولة، والحال ان الدستور الحالي في مادته 74 ترك الباب مفتوحاً أمام ولايات الرئيس الواحد .
الانطباع السائد قبل أقل من اربعة شهور على الاستحقاق الانتخابي أن الحراك الأهم للتعامل مع هذا الحدث، يدور في أروقة جبهة التحرير التي تضم أطيافاً من حرس قديم ومخضرم وجديد وتكنوقراطي وإسلامي وليبرالي وسوى ذلك من تيارات، والتي يستعد رموزها للتعامل مع كل الاحتمالات سواء إذا ترشح الرئيس وهذا هو الأرجح، أو لم يترشح . كما يدور الحراك داخل النخبة العسكرية والمؤسسات الأمنية، من أجل ان يعبر الاستحقاق الرئاسي بأكبر قدر من التوافق بين مكونات المستوى السياسي الحاكم، بما يضمن الاستمرارية بسلاسة وعدم وقوع مفاجآت، مع منح العملية الانتخابية مداها، وتمكين الناخبين من قول كلمتهم في صناديق الاقتراع .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"