الحرب على طهران لن تقع إلا إذا . .

04:09 صباحا
قراءة 4 دقائق

تتحدث أوساط قريبة من طهران عن أنها تملك بضعة صواريخ كفيلة بتدمير إسرائيل . هذا جيد . ومن دون ان يمتلك المرء خبرة عسكرية فمن الواضح أن الصواريخ المقصودة ليست من النوع التقليدي . بصرف النظر عن مدى صحة الخبر أو التصريح ، فمن الواضح أن طهران نجحت في زرع الرهاب النووي لدى الغرب، وكما أن تل أبيب اعتمدت، متعمِّدة، سياسة الغموض تجاه منشآتها النووية (ومع الزمن بات هذا الغموض شفافاً لدرجة لا يستحق معها هذا الوصف)، كذلك فإن طهران قررّت حرمان تل أبيب من التمتع منفردة بهذه الميزة في الشرق الأوسط . وهذا ما يجعل تل أبيب أشد تحسساً ولدرجة هستيرية حتى من واشنطن، حيال هذه المسألة، التي تُؤذن بكسر التفوق الصهيوني في المنطقة . علاوة على استفادة تل أبيب من التلويح بهذا الملف من أجل نقل الاهتمام من المسألة الفلسطينية واحتلال الجولان، إلى ملف آخر يتعلق ببلد بعيد عن حدودها .

جورج بوش الأشد رعونة لم يخض حرباً مع طهران، ولا أحد يتصور أن يفعل أوباما ما تردد سلفه المهووس أن يفعله . العقوبات الاقتصادية والسياسية هي سلاح واشنطن المفضل حيال طهران مع الحملات الإعلامية التي لا تتوقف والتي تدفع دول المنطقة إلى التسلّح . الجاران الروسي والتركي لإيران لا يقبلان بمجرد التلويح الأمريكي بالحرب، ومعهما الصين . والرأي العام الأمريكي معبأ ضد طهران، إلا أن حرباً ثالثة تخوضها واشنطن بعد أفغانستان والعراق ضد طهران، تمثل مشكلة خطرة و ليست هي الحل . ولذلك ينعق نتنياهو منفرداً مهدداً بالحرب بالاتفاق مع واشنطن أو من دونه . وتستجيب طهران لدواعي الحرب النفسية وترد على لسان المرشد خامنئي بأن من يريد الحرب لا يهدّد بها، وأن تل أبيب أجبن من أن تشن حرباً على طهران .

الخيارات واضحة، فطهران ترغب في تكريس مركزها في قوةً إقليميةً كبيرة تضاهي قوة تل أبيب وقوة تركيا وكذلك الهند وباكستان، وفي الوقت نفسه فإنها لا تهدّد بشن حرب، وحين يلزم الأمر، فإن توافقاً ما على الأرض ينشأ بينها وبين واشنطن ، كما حدث في الحرب على أفغانستان والعراق على امتداد الأعوام العشرة الماضية . حتى إن توافق واشنطن مع طهران بدا في بعض المحطات أقوى من تفاهم واشنطن مع أنقرة . . الأطلسية، بينما تنظر تل أبيب إلى الأمور بعين واحدة، وهي ما تراه حاجتها إلى تفوق عسكري مطلق في المنطقة، من دون مزاحمة ومنافسة من أحد، مع احتفاظها بالأراضي المحتلة .

لقد عاشت منطقتنا على وقع التوتر الأمريكي الإيراني منذ نحو ثلاثة عقود إبان الحرب العراقية الإيرانية الطويلة، وما تبعها من احتواء مزدوج خلال ولاية كلينتون . لكن الطرفين في واقع الأمر لا يريدان المواجهة المباشرة . حدث أن قامت حرب في بعض أوجهها بالوكالة من خلال قادسية صدام، لكن ظرفاً كهذا غير قابل للتكرار في الأمد المنظور . دول مثل العراق وتركيا وروسيا تجهد في تبريد هذا التوتر، وتحقق الدول الثلاث بعض النجاح في مهمتها هذه وهو ما لا يروق لتل أبيب التي تظل تنفرد في تلويحها بالحرب دون غطاء من أحد . وفي ذلك تعترف بوجود تباينات مع واشنطن على هذه المسألة، كما في تصريحات أطلقها باراك وزير الدفاع الصهيوني في واشنطن مؤخراً، وقد لوحظ أنه تحدث عن ضغط عسكري وليس عن مواجهة أو حرب، ضغط يمنع طهران من الوصول إلى مرحلة صنع قنبلة نووية، بما يشي ببعض التراجع، ودون إغفال ما يبدو من تقاسم أدوار بينه وبين نتنياهو، فالأخير حربجي، بينما وزير دفاعه يسعى إلى الجمع بين الحزم والحمائمية! . . وقد رد على باراك ضمنياً المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والمرشح المحتمل للرئاسة في مصر محمد البرادعي، بالقول إنه يمكن تدمير منشآت نووية لكنه لا يمكن تدمير المعرفة، وقد تؤدي ضربة محتملة تتعرض لها إيران إلى (عكس ما ينشده باراك) . .إلى تحفيز هذا البلد على صنع قنبلة نووية .

الخشية الآن أن تطرأ تطورات دراماتيكية مفاجئة على المسرح الشرق أوسطي، كأن تعبر الأزمة السورية منعطفاً خطراً يفسح في المجال أو يسوّغ تدخلاً خارجياً، وأن ترى تل أبيب في ذلك فرصة سانحة لتنفيذ تهديداتها بمهاجمة إيران، وتصفية حساباتها الإقليمية دفعة واحدة . وخاصة اذا ما تم فقدان زمام الأمور، واتسعت دائرة المواجهة ونالت تل أبيب بضعة صواريخ إيرانية أو سورية أو من طرف حزب الله، أو ما هو أبعد من ذلك . ليت أحداً بالمناسبة من أصدقاء الحكم في سوريا ينصحه بأن التنازل للشعب السوري ليس عيباً، ولا هو دليل ضعف، وأن الوضع الخطر القائم يستدرج تدخلات دولية ابتداء من الأمم المتحدة، إذا ما تم المضي في إفشال مهمة أنان، بما يفسح في المجال لمواجهات واسعة قد تطال أيران، وبما يعيد المنطقة عقوداً إلى الوراء .

وبنظرة أشمل، فإن تفاقم الأزمة السورية من شأنه أن يؤدي بحكم التحالف بين دمشق وطهران، إلى تسخين الملف النووي الإيراني، مع أن الفرصة مازالت قائمة أمام حلول تفاوضية بشأن هذا الملف تحفظ لإيران قدراتها، كما أن الفرصة متاحة أمام الحكم في دمشق للذهاب نحو حلول سياسية جدية، بعيداً عن منطق قهر الشعب وحمله على الاستسلام!

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"