الحصاد الهزيل لقمة أنقرة

05:22 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

لم تنته القمة الثلاثية (الروسية - التركية - الإيرانية)، التي استضافتها أنقرة قبل أيام، لتوافق يستحق الذكر، وينهي الأزمة السورية أو يضعها على طريق الحل. فقد أراد كل طرف تبرير مواقفه والثناء عليه، رغم أن جملة المواقف والسياسات المتبعة، بما في ذلك سياسة أطراف أخرى كالتحالف الدولي، لم تؤد إلى وقف نزيف الدم، الذي يطال المدنيين أولاً، ولا وقف عمليات التدمير والتهجير. وقد جاء البيان الختامي على ذكر عبارات لا معنى لها مثل القول «إن لا حل عسكرياً للأزمة السورية»، علماً أن السوريين لم يروا سوى الحلول العسكرية من الأطراف الثلاثة. وبينما تم التوافق مجدداً على ما يُسمى ب«خفض التصعيد»، إلا أن واقع الحال يثبت أن هذا المسمى لا علاقة له بأرض الواقع؛ فالتصعيد استمر على حاله منذ نحو عشرين شهراً، ولنا أن نتذكر أن الغوطة الشرقية في العاصمة دمشق، ودرعا في جنوب البلاد هي من مناطق «خفض التصعيد»؛ لكن المواجهات العسكرية لا تتوقف فيهما إلا كي تتجدد بصورة أعلى، وإدلب أيضاً في الشمال مشمولة بهذا الخفض إلا أن القصف عليها وعلى ريفها يظل متواتراً، وهناك حالياً حشود؛ تحضيراً لمعركة كبيرة سيكون المدنيون كالعادة، وقودها وضحيتها.
لم تخطئ تقارير ذكرت أن «قمة أنقرة» كانت قمة حرب. ولم تكن قمة سلام، فالأطراف الثلاثة كانت تبحث عن مصالحها، واستمرار نفوذها في هذا البلد الممزق، ولم تعكف على وضع خطة جدّية للسلام، ولا خاطبت السوريين بما يفيد أن رحلتهم مع العذاب قد اقتربت من نهايتها. وما كان من الممكن تصور مسار آخر لمثل هذه القمة، التي تضم أطراف الحرب. كما أنه لا يمكن توقع نتائج أفضل لأية قمم لاحقة وثلاثية كهذه.
من المؤسف أن تنصرف دول أجنبية لتقرير مصير بلد عربي هو سوريا، في غياب أي إطار عربي يسهم بالحل، ويضع تصورات له، والغريب أنه لم تتم دعوة الجانب العربي، ولا بادر هذا الجانب إلى المشاركة في مشاورات مصيرية على هذا المستوى، وتتعلق بمسألة على درجة كبيرة من التأزم والحساسية؛ هي المسألة السورية. ذات الانعكاس على أمن دولنا ومجتمعاتنا.
وإلى جانب غياب الجانب العربي فقد غابت الأمم المتحدة، التي سبق لها أن أصدرت قرارات عدة حول المسألة السورية، وتمثل قراراتها مرجعية مُعترفاً بها على أوسع نطاق للحلول المنشودة والواجبة، ما يدل على أن الدول الثلاث اختارت طريق الانفراد؛ بوضع الحلول التي ترتئيها؛ بل واحتكار الحلول، علماً أن الأزمة السورية انعكست على أمن المتوسط، وحتى على الأمن الأوروبي مع تدفق ملايين اللاجئين، الذين هربوا من جحيم الحرب؛ بعد أن تقوضت أسباب الحياة والبقاء في وطنهم.
إن وضع حلول ناجعة للأزمة المستفحلة يتطلب العودة مجدداً إلى إطار عربي وإقليمي وبمشاركة دولية؛ لاستكشاف الحلول في ضوء دروس الأزمة، ودروس مشاركة الأطراف في الحرب، وكما التقت عليه الإرادات العربية والإقليمية والدولية في «مؤتمر جنيف» الموسع في يونيو/حزيران 2012. وهو ما يتناسب مع دعوة أطلقتها فرنسا على لسان الرئيس ماكرون؛ لبناء مجموعة اتصال إقليمية ودولية، بديلاً لاحتكار بعض الأطراف، الذين لم يسهموا بشيء سوى في التأجيج والتأزيم والتصعيد، وخاصة في الشهور الثلاثين الأخيرة من عمر الأزمة. ومع الأخذ في الاعتبار أهمية مشاركة جميع الأطراف المعنية؛ من أجل الخروج بحلول واقعية قابلة للحياة، وواجبة التطبيق؛ وبحيث يمكن سماع عبارة مثل: الدعوة إلى وقف إطلاق نار شامل مثلاً، بدلاً من مصطلح: «خفض التصعيد»!. وهو تعبير مُراوغ ومُلتوٍ يُقصد به عملياً وعلى أرض الواقع إطالة أمد الحرب.
ولأن «قمة أنقرة» لم تخرج بشيء، فقد كان من الطبيعي أن نتائجها الهزيلة قد قوبلت بوجوم، وبتشكك، ولم تجد من يرحب بها؛ إذ كان جل الاهتمام في تلك القمة الثلاثية الالتفاف على الأزمة وآمال حلها، مع ضمان مصالح الأطراف الثلاثة أولاً وأخيراً، وليس مصلحة من يتجرعون مرارة الحرب، ويتذوقون ويلاتها، ويرغبون في استعادة وطنهم والعودة إليه.
والأمل أن يكون رد الفعل «السلبي» على نتائج تلك القمة، مقدمة للسير على طريق إيجابي؛ بحيث يتجدد الاهتمام الجدّي بالأزمة، ويُصار إلى إنشاء إطار واسع يضم أطراف القمة الثلاثية، ولا يقتصر عليهم، ويسمح بمراجعة جادّة ونزيهة للمسارات المتّبعة في «أستانا» و«سوتشي» و«جنيف»؛ وذلك في ضوء الممارسات والسياسات العملية، التي اتبعتها الأطراف على الأرض وفي الأجواء، وفي ضوء الحاجة لرؤية نهاية متوازنة وأمينة تضمن وحدة سورية واستقلالها، وتطلعات شعبها وحقوقه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"