الحلم الفلسطيني بين الوفاق والإخفاق

03:23 صباحا
قراءة 4 دقائق
عاصم عبد الخالق

ليس غريباً أن تحل الذكرى السنوية الأولى لتشكيل حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية وسط شائعات وتسريبات عن قرب حلها، ووسط استياء عام بشأن أدائها وفاعليتها. لم يعد بقاء هذه الحكومة أو استقالتها أو إقالتها يعني الكثير بالنسبة للرأي العام الفلسطيني بعد أن أخفقت في تحقيق أي من الآمال الكثيرة والطموحة التي انعقدت عليها، وفي مقدمتها المصالحة الوطنية.
بعد عام كامل من الإخفاق والتعثر على كل الجبهات، وفي كل الملفات التي تصدت لها، أو يفترض أن تكون قد تصدت لها، بات من الواضح أن التوقعات التي وضعها الفلسطينيون، شعباً وقيادةً، على هذه الحكومة كانت أكبر بكثير من قدرتها. كما أن الظروف الصعبة وربما غير العادية التي عملت في ظلها أسهمت بنصيب وافر في ذلك الحصاد المتواضع.
ليست هذه محاولة إلى التماس الأعذار أو البحث عن مبررات للفشل، ولكنه الواقع الذي يقول إن الحكومة لا تتحمل بمفردها مسؤولية إخفاقها. وفي ظل الأوضاع المحلية والإقليمية، والمناكفات المستمرة بين فتح وحماس، والعراقيل «الإسرائيلية» كان من المستحيل تحقيق أي قدر من النجاح. وهي نتيجة تنبه إليها وحذر منها كثيرون منذ البداية.
ربما كان رئيس الحكومة رامي الحمد الله يملك مؤهلات النجاح ، وربما كان النجاح سيحالفه لو عمل في ظل ظروف غير تلك التي أحاطت به. وهو ما يدعونا ،لأن نكرر مرة أخرى تأكيد أن الكل شارك بنصيب ودور في الوصول إلى هذه النهاية المحزنة.
تأسست حكومة الوفاق الوطني ، كما أصطلح على تسميتها بعد سبع سنوات عجاف من الانقسام بين فتح وحماس أو الصفة وغزة. ولذلك اعتبرها الطرفان اللبنة الأولى في صرح المصالحة المتعثرة. وانعقدت عليها الآمال العريضة بتحقيق أحلام الشعب الفلسطيني، إلا أن المعطيات على الأرض كانت تقود إلى طريق آخر.
تمنى الفلسطينيون المصالحة ، ولكن الواقع كان يقول إن هذا الحلم سيظل مؤجلاً ، لأن تحقيقه لا يعتمد على قدرة أو موهبة الحمد الله وحكومته، ولكنه مرهون بإرادة فتح وحماس أولا. وما لم تتوافر هذه الإرادة فليس بوسع الحكومة الحالية أو أي حكومة قادمة أن تفعل شيئاً.
وطوال العام الماضي تبين بوضوح أن الطريق إلى هذه المصالحة المستعصية ما زال طويلاً جداً. وأن الفجوة بين فتح وحماس أكبر من أن تتجاوزها بيانات عاطفية تصدر في المناسبات. أظهرت تجربة العام الماضي أنه لا وفاق دون رغبة صادقة في تقديم تنازلات متبادلة، وإعلاء الصالح العام فوق المطامع الشخصية والحزبية الضيقة.
وكان طبيعياً أن يتبادل الطرفان الاتهامات بعد أسابيع قليلة من تشكيل الحكومة.
اعتبرت حماس أن فتح راغبة ومصرة على الاستئثار بالسلطة، واحتكار القرار، والنفوذ، والموارد. واتهمت فتح حماس بأنها تريد إدامة سيطرتها على غزة دون سند قانوني، وبأنها لم تسمح للسلطة الفلسطينية ولا موظفيها بالعمل في القطاع كجزء من الجهاز الحكومي. قائمة الاتهامات المتبادلة طويلة وتكشف عن حجم الثقة المفقودة بين الجانبين. الغريب أن الجانبين كان أمامهما فرصة جيدة للوفاق على أساس تفاهمات القاهرة التي توفر بداية عملية وواقعية معقولة لحل الخلافات بينهما، وترسي الأساس الذي يمكن البناء عليه.
ضاعف من حدة الخلافات تعرض بل خضوع الطرفين لضغوط، وتدخلات، ومحاولات استقطاب متواصلة وعنيفة سواء من «إسرائيل» أو من قوى إقليمية ودولية أخذت كل طرف من طرفي المعادلة الفلسطينية بعيداً جداً عن الآخر.
وليس سراً أن فكرة المصالحة وتشكيل حكومة وفاق بالتراضي بين فتح وحماس لم تلق أي تجاوب منذ البداية لا من جانب «إسرائيل» ولا الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية المانحة للمساعدات. ولعبت «إسرائيل» دوراً كبيراً في وضع العراقيل أمام هذه الحكومة رغم أن القيادة الفلسطينية حرصت منذ البداية على تأكيد أنها حكومة تكنوقراط لا تضم أي عضو من حماس.

هذا التدخل الدولي والإقليمي في تحديد تشكيلة الحكومة استمر بعد ذلك، وأسهم في عرقلة عملها. وبات واضحاً أن «إسرائيل» تصر على إفشالها تماما. وأنها، أي «إسرائيل»، لن تقبل من حيث المبدأ مسألة وجود حكومة يتم تشكيلها بالتوافق مع حماس حتى لو لم تشارك فيها الحركة مباشرة. وبطبيعة الحال تملك «إسرائيل» كسلطة احتلال الكثير من أوراق الضغط والعراقيل لنسف جهود أي حكومة فلسطينية. وما فعلته في هذا الشأن طوال العام المنقضي من عمر الحكومة لم يكن خافياً. وآخره عرقلة مشاريع إعادة أعمار غزة وهو هدف رئيسي آخر من الأهداف التي أسندت إلى الحكومة عند تشكيلها وأخفقت في تحقيقه أيضاً.
خلاصة ما يمكن قوله هنا إنه دون التقليل من حجم الضغوط الإقليمية والدولية التي يتعرض لها القادة الفلسطينيون في فتح وحماس على السواء، ورغم شراسة العدوان «الإسرائيلي» واستفزازاته فإن البيت الفلسطيني نفسه في حاجة إلى إعادة ترتيب من الداخل. ولا يمكن مواجهة الضغوط الخارجية والاعتداءات «الإسرائيلية» في ظل حالة الانقسام الحالية. ولا يمكن أيضاً إحراز أي نجاح في معركة السلام ما لم يكن الداخل مستقراً وموحداً.
المؤسف أن هذا ليس اكتشافاً جديداً، وكل الفرقاء الفلسطينيين يعرفونه تماماً. قد تكون المهمة صعبة ولكنها تظل غير مستحيلة إذا خلصت النيات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"