الخاسران عباس ونتنياهو

02:43 صباحا
قراءة 4 دقائق
عاصم عبد الخالق

ما زال الوقت مبكراً جداً لتحديد وجهة ومصير ثورة الغضب الفلسطينية المندلعة حالياً.
ليس من المتاح التنبؤ بما ستؤول إليه التطورات، وهل ستكون بداية انتفاضة ثالثة إذا كتب لها الاستمرار واتساع قاعدة المشاركة الشعبية؟ لا يمكن كذلك تحديد النتائج التي ستتمخض عنها الأحداث في نهاية المطاف.
غير أن المؤشرات المبكرة لحسابات المكسب والخسارة تقول إن أكبر الخاسرين في هذه المعركة وأياً كانت نتيجتها هما الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو.
كلاهما تتراجع شعبيته إن لم تكن تنهار بالفعل.
والأسوأ بالنسبة لهما أن حالة الغضب والاستياء تتسع داخل معسكريهما وليس بين خصومهما فقط.
وكلاهما يعجز عن السيطرة على الشارع المنفلت.
الكلمة الآن أصبحت للشبان الفلسطينيين من جهة، ولقوات الاحتلال وقطعان المستوطنين من جهة أخرى.
عباس ونتنياهو لديهما مشاكل حقيقية في القيادة، ويحتاجان إلى معجزة لاستعادة ثقة مؤيدهما.
دون أن تعنى هذه المقارنة أننا نساوي بأي حال من الأحوال بين الجاني والضحية.
أو بين القيادة الفلسطينية المغلوب على أمرها، والحكومة «الإسرائيلية» المتسببة في إراقة كل هذه الدماء.
نتنياهو الذي أشعل الموقف بتطرفه واستفزازاته المتكررة خسر المعركة مبكراً مع المعارضة «الإسرائيلية» المنتمية لليسار والوسط والتي دعت على لسان زعيمها إسحق هيرتزوغ إلى استقالته.
واعتبرت أنه فشل في استعادة الأمن، كما فشل في تقديم أي حلول سياسية قبل ذلك.
وتعتبر المعارضة اليسارية على وجه الخصوص أن نتنياهو أوصل الفلسطينيين إلى حالة من اليأس والإحباط والغضب جعلت انفجارهم حتمياً.
وقد عبرت صحيفة «يديعوت أرونوت» عن هذا المعنى بمقال حمل عنواناً بليغاً وملخصاً لجوهر الأزمة هو «سيكون لدى «الإسرائيليين» أمن عندما يكون لدى الفلسطينيين أمل»
واعتبرت الصحيفة أن أمل الفلسطينيين في إقامة دولتهم يتلاشى منذ سنوات، مثلما يتلاشى أمل «الإسرائيليين» في ترسيخ دعائم دولة تعكس الرؤية الصهيونية، أي دولة يهودية مزدهرة وديمقراطية وآمنة.
لذلك كما تقول لم تكن موجة العنف الحالية مفاجئة لأحد، فكل أجهزة الأمن «الإسرائيلية» حذرت منها، وكل الصحفيين المتابعين للموقف توقعوا اندلاعها.
والدبلوماسيون في أنحاء العالم حذروا من مغبة جمود عملية السلام.
الوحيد الذي لم ير كل هذا أو تعامى عنه هو نتنياهو.
مقال آخر نشرته نفس الصحيفة تحت عنوان «صمت مستر سكيوريتي» أي «السيد أمن» وهو اللقب الذي يطلقه أنصار نتنياهو عليه.
طرح المقال سؤالاً مهماً هو كيف نجح نتنياهو في تقديم نفسه ل «الإسرائيليين» على أنه الوحيد القادر على أن يشعرهم بالأمن بينما تنتقل «إسرائيل» من فشل أمني إلى آخر؟
الانتقادات لنتنياهو داخل معسكره لا تقل حدة عن انتقادات المعارضة، وإن كانوا في اليمين المتطرف لا يتحدثون عن فشله في إيجاد تسوية سياسية بل يعتبرون هذا من محاسنه.
ما يغضبهم هو فشله في استعادة الأمن.
وقد سجل التمرد اليميني ضده تطوراً غير مسبوق بتنظيم تظاهرة أمام منزله في القدس شارك فيها قادة المستوطنين والأحزاب اليمينية وثلاثة من وزراء الائتلاف الحاكم.
على الجانب الآخر لا يبدو أبو مازن في موقف أفضل من غريمه.
ومتاعبه داخل فتح لم تعد سراً، وبات واضحاً أن هناك معسكرين أحدهما موال له والآخر من الإصلاحيين الذين يدعون إلى بحث قضية خلافته حتى مع استمراره، خاصة وأنه تجاوز الثمانين من عمره، ويصر على عدم تعيين نائب له كرئيس للسلطة الفلسطينية.
عباس كما وصفته صحيفة «واشنطن بوست» الأسبوع الماضي هو رئيس بلا دولة، ولا تفويض شعبي واضح، ولا خطة.
رئيس لا يرضي أحداً من أصدقائه أو خصومه.
ومما يزيد من وضعه سوءاً أن شعبيته تتراجع مع تزايد الإحباط الفلسطيني وعجزه عن القيام بأي شيء.
هذه الحقيقة عبر عنها استطلاع أجراه مركز فلسطيني متخصص أظهر أن ثلثي الفلسطينيين يريدون استقالة عباس.
وأن 8 من كل عشرة يعتبرون أن فرص إقامة دولة مستقلة في السنوات الخمس المقبلة ضعيفة للغاية.
تطور آخر يزيد من قلق عباس وهو تنامي شعبية حماس في الضفة.
أكد هذا التطور الانتخابات الطلابية التي أجريت أخيراً في جامعة بيرزيت كبرى جامعات الضفة وأسفرت عن فوز كاسح لمؤيدي حماس على أنصار فتح.
هذه الحقائق ليست مفاجئة لعباس أو غيره حيث تحفل وسائل الإعلام منذ مدة غير قصيرة بروايات عن تزايد الاستياء العام من سياسته أو على الأقل عدم الثقة في قدرته على تحقيق أي إنجاز.
وقد عبرت عن معنى قريب من ذلك صحيفة «واشنطن بوست» بقولها إن الفلسطينيين لا يكرهون عباس ولكنهم تعبوا منه أو يشعرون بالضجر منه. فلا شيء يتحقق على يديه.
وهو يسعى دائماً لإرضاء «إسرائيل» من دون أن يحصل منها على مقابل، بل إنه يظل دائماً هدفاً للهجوم «الإسرائيلي» بل التجريح به أحياناً.
مشكلة أبو مازن أنه يحاول إرضاء الجميع فيخسر الكل تقريباً، ويحاول احتواء نفوذ وشعبية حماس فيحدث العكس.
وسواء هدأت الأمور أو ازدادت اشتعالاً سيخسر عباس الحلفاء والخصوم معاً، وهي نفس النتيجة التي سيسجلها نتنياهو.
كلاهما فشل في إدارة المعركة، وكلاهما خيب آمال شعبه.
الشيء الوحيد الذي يتفقان عليه هو عدم السماح باندلاع انتفاضة ثالثة لأنها ستكشف حجم عجزهما وتدعم موقف خصومهما وتهدد موقفهما الداخلي.
وهذا أحد أسباب مسارعة واشنطن بإيفاد وزير خارجيتها منعاً للانتفاضة وإنقاذاً للصديقين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"