الدور السلبي للجغرافيا

03:39 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عبدالعزيز المقالح

نؤكد دور الإنسان بوصفه الأساس في كل ما حدث ويحدث من تطور وتغيير، فلا قيمة للجغرافيا ولا لأي شيء آخر خارج دور الإنسان وموقفه.
تلعب الجغرافيا دوراً سلبياً، وربما كان معدوماً في أماكن كثيرة من الأرض، فقد يكون الشمال هنا متطوراً وهناك متخلفاً، وعلى العكس من ذلك الجنوب الذي يتقدم ويتخلف لا بحسب مواقعه وإنما بجهد أبنائه. الإنسان إذاً هو الفاعل، وهو الذي يحرك الجغرافيا ويجعلها فاعلة هنا، وعديمة الجدوى هناك. وقراءة واعية للواقع ترينا حقيقة هذا الزعم، وتؤكد بكل قوة ووضوح دور الإنسان صانع المتغيرات.
وفي مقارنة عابرة يمكن لنا أن نرى دور الإنسان واضحاً في إيجابيته هناك في شمال الجزائر، ونراه سلبياً تماماً في أماكن لا نحتاج إلى تحديدها بالاسم، هناك سعي دؤوب نحو التطور والتغيير المطلوبين، وهنا تعثر وتراجع. وهكذا هي الجغرافيا في كل أحوالها، ومع كل المواقع التي تشهد حالات من التقدم وأخرى من التخلف.
في حالة الجزائر شهدت الجغرافيا حالة من المد والجزر الإيجابيين، وفي أماكن أخرى لم تشهد سوى حالات من المد والجزر السلبيين، وكل ذلك لا يكاد يعنيها في شيء، بل يعني الإنسان الذي يتحكم في مصائر الأرض والبشر.
ونعود من جديد لكي نؤكد دور الإنسان بوصفه الأساس في كل ما حدث ويحدث من تطور وتغيير، فلا قيمة للجغرافيا ولا لأي شيء آخر خارج دور الإنسان وموقفه. وكل شيء يتوقف على هذا الدور وما ينتج عنه على أرض الواقع. ومن يراجع واقع العالم الآن وتقدم الشعوب وتخلفها يدرك حقيقة هذا المعنى، معنى دور الإنسان وجهده الدؤوب وما يترتب عليه، فليس التقدم ولا التخلف من الأمور الطبيعية التي تصنع نفسها، وإنما هو الإنسان صانع التقدم والتخلف، يحددها مقدار القيمة المضافة التي يراكمها الإنسان ويضعها في قلب الجغرافيا، حيث تراه يصنع التقدم في مكان والتخلف في مكان آخر، وليس ما تنعم به الشعوب المتقدمة حالة استثنائية تصنع نفسها، وإنما هي التعبير الحقيقي عن الفعل الإنساني. فليس ما تتمتع به شعوب الغرب من تطور ملحوظ وما تشهده بعض شعوب الشرق قدَراً مفروضاً، وإنما هو كما سبقت الإشارة خاضع لدور الإنسان وحركته السائرة نحو التحول والتغيير، ولهذا فلن يتغير وضع الشعوب التي تعاني التخلف مالم يسارع الإنسان للقيام بالدور الذي يرجى منه؛ للتحرر من موجبات التأخر، وما تفرضه من معوقات.
وفي حالة توقف حركة الإنسان الصاعدة يتوقف كل شيء. ما نشهده من تطور مدهش في بعض الشعوب العربية هو الأساس، فلو توقف جهد الإنسان في الولايات المتحدة أسابيع وشهوراً لأصابها ما يصيب الشعوب التي تعاني وضاعة التخلف الشنيع، فهل آن لشعوبنا التي تأخرت كثيراً عن حركة الحياة الجديدة أن تتفهم هذا المعنى وهذه القانونية الموضوعية التاريخية، وأن يبذل أبناؤها ما يستطيعونه من جهد لتجاوز أوضاعهم والانتقال إلى مستوى أفضل وأنبل؟!.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"