الشباب المغاربي والمشاركة السياسية

03:53 صباحا
قراءة 4 دقائق
د.إدريس لكريني

تشير التقارير والإحصائيات إلى أن الشباب يشكل نسبة مهمة داخل المجتمعات المغاربية، وهي الفئة الأكثر دينامية وتعلّماً وانفتاحاً وتكويناً في مجال التكنولوجيا الحديثة، حيث أثبتت جدارتها في مختلف المجالات العلمية والعملية، وحققت الكثير من المنجزات.
وتولي الدول المتقدمة الاهتمام الكبير لشبابها على المستويات الاجتماعية والنفسية والصحية، وتعدّ المشاركة السياسية آلية لمنح الثقة لهذه الفئة وإدماجها في الحياة العامة وإشراكها في صناعة القرارات الكبرى داخل المجتمع، والاستفادة في كفاءتها في مختلف المجالات والميادين بالقدر الذي يفيدها ويفيد مجتمعاتها.
أظهرت تحوّلات الحراك في المنطقة منذ 2011 أن الشباب العربي، وعلى عكس ما كان يروّج عنه بأنّه غير مهتمّ بالسياسة وقضايا الشأن العام، قاد مظاهرات واحتجاجات لم تخل في مجملها من مطالب وشعارات تنحو إلى رفض الاستبداد والفساد، وإلى تخليق الحياة العامة وفتح باب المشاركة الفاعلة أمامه، عبر إرساء ممارسة ديمقراطية تدعم دولة الحق والقانون، مستثمرا في ذلك الإمكانات التي تختزنها شبكات التواصل الاجتماعي، وهي الشبكات التي ما زالت تعج بالنقاشات الاجتماعية والسياسية التي تبرز رغبة الشباب في تغيير وتحسين واقعه ومحيطه.
تعتبر المشاركة السياسية آلية مهمة لممارسة الحقوق السياسية، وهي تتدرج من الاهتمام بالشأنين العام والسياسي وبلورة المواقف في هذا الصدد، ثم الانخراط في الأحزاب السياسية لتتطور إلى ممارسة النشاط السياسي بانتظام أو تقلد مسؤوليات ومهام سياسية، ومن تمّ الانخراط الفعلي في العمل السياسي ومؤسساته، كما تتنوع المشاركة أيضاً بين ما هو تمثيلي وتوافقي وتشاركي.
وهي تعتبر بذلك أوسع نطاق من مجرد المشاركة الانتخابية التي تندرج ضمن أهم التقنيات الديمقراطية التي تتيح للأفراد اختيار من يمثلهم على مستوى اتخاذ القرارات ورسم السياسات العامة.. وتنبني المشاركة السياسية على الحرية في الاختيار، وتقاس أهميتها ونجاعتها بمدى تأثيراتها وانعكاساتها على صناعة القرار العمومي، باعتبارها وسيلة لطرح المواقف وإبداء الآراء إزاء مختلف القضايا التي تهم المواطن في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
تبرز الدراسات والأبحاث أن هناك عدداً من العوامل المتحكمة في حجم المشاركة السياسية، في ارتباط ذلك بشفافية الضوابط القانونية التي تؤطرها، ومدى فاعلية المؤسسات السياسية وتجدد نخبها، إضافة إلى عوامل أخرى متّصلة بالمستوى الثقافي والتعليمي والاجتماعي للفرد وطبيعة الثقافة السياسية السائدة داخل المجتمع، وعياً منها بمكانة الشباب داخل المجتمع، وسعياً إلى فتح نقاشات لتدارس واقع الشباب المغاربي وأهمية المشاركة السياسية كمدخل يدعم ولوج هذه الفئة لتغيير واقعها نحو الأفضل، والمساهمة في تطوير مجتمعاتها، أقامت منظمة العمل المغاربي بشراكة مع مؤسسة هانس سايدل الألمانية، أخيراً؛ الجامعة الصيفية المغاربية الثانية بمراكش، حول موضوع: الشباب المغاربي والمشاركة السياسية بحضور عدد من الباحثين والخبراء والفاعلين من المغرب وموريتانيا والجزائر وتونس وليبيا، ومساهمة عدد من الشباب المغاربي.
سمحت الجامعة بالوقوف على المشاكل التي يعيشها الشباب على مختلف الصعد، سواء تعلق الأمر بالانخراط في الجماعات المتطرفة، وركوب غمار الهجرة السرية أو البطالة. كما تعرضت المداخلات إلى مفهوم المواطنة والمشاركة السياسية للشباب، والأشكال الجديدة لهذه المشاركة وتمثلات الشباب القروي حولها، وللثقافة السياسية للشباب المغاربي بعد حراك 2011..
خلصت أعمال الجامعة إلى أن المشاركة السياسية حق إنساني منصوص عليه في إطار قانون دولي وإقليمي ووطني، وتمّ رصد مجموعة من الأسباب التي تجعل من الشباب عازفاً عن المشاركة السياسية كتبخيس العمل السياسي، وانتشار البطالة، ..
وتم التأكيد أيضاً على أن تقنيات الاتصال الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي وفّرت للشباب فرصاً جديد لمواكبة الشأن العام؛ في تجاوز واضح للقنوات التقليدية التي أضحت مطالبة بتطوير أدائها وخطاباتها، فيما أوضحت مداخلات أخرى أن العزوف الذي أصبح يميز المشهد السياسي في المنطقة المغاربية داخل أوساط الشباب، هو تعبير عن أزمة الثقة في المؤسسات والإطار القانوني، مع الإشارة إلى أن مقاطعة بعض المنتوجات في عدد من دول المنطقة، هو تعبير عن الرغبة في البحث عن قنوات جديدة ناجعة للتأثير في السياسات العمومية وتغييرها ومساءلة لفعالية القنوات الوسيطة.
فيما أوضح البعض أن الشباب لا يعزف عن السياسة بقدر ما يطمح لمشهد سياسي محفّز يضمن مشاركة مؤثرة، كما تم التأكيد أيضاً على أن الضمانات القانونية غير كافية لوحدها لدعم المشاركة السياسية كمكوّن للعملية الديمقراطية، والتي لا يمكن أن تستقيم بدون ثقافة سياسية. فيما دعت إحدى الأوراق إلى إصلاح المنظومة التعليمية وتشجيع الإنتاج العلمي حول الشباب، مع المطالبة بالاشتغال على موضوع التمثلات الاجتماعية للشباب حول الشأن السياسي من أجل فهم طبيعة المشاركة السياسية لهذه الفئة، وإقرار سياسات عمومية تخصّها، مع تفعيل الهيئات الخاصة بها، وتأهيل الفاعل السياسي لاستيعاب التحولات السياسية والأشكال الجديدة للمشاركة السياسية.
وركزت توصيات الجامعة على ضرورة إطلاق حرية العمل السياسي للشباب داخل الأحزاب السياسية، وتأسيس برلمان مصغر على مستوى الجامعات والثانويات يشعر من خلاله الشباب في سن مبكرة أنهم نواب وقادة، مع تخصيص برامج إعلامية يطرح فيها الشباب مشاكلهم والعوائق التي تقف أمامهم في جميع المجالات، وتنظيم ندوات ودورات تكوينية خاصة بهم وبقضاياهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"