الصحة أم الاقتصاد أولاً؟

03:51 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود حسونة

الجميع يدرك أن حالة من الركود بدأت تضرب الاقتصاد العالمي بسبب وباء كورونا، وستزداد حدة كلما طال أمد الأزمة

جدل سابق وجدل آني وجدل لاحق. حياتنا في ظل جائحة «كورونا» أصبحت جدلاً على جدل، قبل أسابيع عاش العالم يتجادل حول تقييد حركة الناس، وحظر التجوال، وفرض طوارىء؛ للحد من انتشار الفيروس، واليوم يتجادلون حول الاقتصاد والصحة وأيهما له الأولوية، وبأيهما يضحي العالم؛ لإنقاذ الآخر. وفي المقبل من الأيام، سنعيش حالات وحالات من الجدل في إطار تقييم عواقب الجائحة، والظلال التي ألقت بها على العالم، ابتداءً من أداء الزعماء وأصحاب القرار، ومروراً بنتائج كل من الحظر الذي طبقته الكثير من الدول، ومناعة القطيع التي طبقتها السويد وعدد غير مذكور من الدول، وانتهاءً بتقييم تجارب العمل عن بُعد والتعليم عن بُعد، وملامح الحياة الذكية التي عجلت بفرضها الأزمة، ويتوقع أن تكون عماد دنيا المستقبل.

جدل الصحة أم الاقتصاد، أثاره في البداية بعض رجال الأعمال الذين وجدوا في الحظر كارثة الكوارث؛ جدل بدأ خجولاً بطرح تخفيض الرواتب إلا أنه تفاقم عندما تكلم أحدهم مؤيداً «التضحية بحياة الناس كي تعيش البلد»، وهو ما كشف عن وجه الرأسمالية التي لا يعنيها سوى زيادة أرصدتها في البنوك، ولو على حساب حياة الآخرين والتي لا تساوي شيئاً أمام طمعها وأنانينتها.

طمع بعض رجال الأعمال أمر ليس جديداً؛ ولكن أن تتبنى نفس وجهة نظرهم 60 مؤسسة اقتصادية دولية وأممية، فهو الأمر الذي رفع الصوت عالياً أمام صوت منظمة الصحة العالمية الخافت في تحذيره من عواقب رفع الحظر، وتخفيف قيود حركة الناس، وزاد من ارتفاع صوت الاقتصاد أمام صوت الصحة، تبني بعض الزعماء له، وهو الأمر الذي لا ينبغي استغرابه في ظل عالم بعض رؤساء دوله رجال أعمال، وبعضهم الآخر كان حلمه أن يكون رجل أعمال؛ لكنه فشل أو لم تساعده الظروف.

صراع الصحة أولًا أم الاقتصاد أولاً، يؤكد حالة التشوش وعدم وضوح الرؤية لدى الذين أغرقوا العالم بحالات من التخبط منذ بداية الأزمة غير المسبوقة وحتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

ليس كل زعماء العالم هم من فاقدي الرؤية، ولا جميع الدول تعيش حالة التيه والتخبط، فما يزال في عالمنا بصيص من الأمل، ولدينا من الزعماء من يدركون أن الصحة هي الحياة، ومن دونها لا حياة ولا اقتصاد ولا سياسة ولا إبداع ولا شيء سوى الفناء، وهؤلاء الزعماء هم الذين وضعوا كل إمكانات دولهم؛ لإنقاذ الإنسان من براثن «كورونا» أولاً، ليعقب ذلك التفكير في تصحيح المسارات المتعرجة اقتصادياً؛ بسبب الفيروس اللعين.

ليس جديداً القول إن دولة الإمارات محظوظة بقياداتها، وهم الذين ينتصرون في كل أزمة للإنسان وللإنسانية، سواء طالتهم هذه الأزمة مثل «كورونا» أو كانت بعيدة عنهم مثل أزمات سياسية وكوارث طبيعية تعرضت لها دول، وكانت الإمارات أول السباقين للمساندة والدعم والعطاء بلا حسابات سياسية ولا عرقية ولا دينية؛ لذا لم يكن غريباً عن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، أن يخرج وسط هذا الجدل بكلماته الحاسمة «..الحصان وعربته تحملهما الصحة.. وتقودهما مرغمين حيث تريد.. والسياسة والاقتصاد تتقزمان أمام فيروس يجعل دهاة العالم في حيرة وخوف وتيه»، ولو تأملنا مفردات الكلام ندرك ما فيه من تعظيم للصحة وتقزيم للسياسة والاقتصاد وكل شيء أمامها، ونعي وصوله لأقصى درجات الصراحة والشفافية المزعجة لبعض «دهاة العالم العائشين في حيرة وخوف وتيه».. كلام معناه بليغ ورسالة جامعة مانعة في ظل جدل عقيم بشأن أمر من أبجديات هذا الكون.

في المقابل، ومنذ بداية الأزمة، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لا يدخر جهداً للتضامن والدعم المادي والمعنوي للدول التي استفحل مصابها، وهو الزعيم الذي دمعت عيناه من شدة حب المقيمين لبلاده، وهي المشاعر الصادقة التي لمسها منهم وهم يرددون نشيد الإمارات الوطني عبر مواقع التواصل، ليعلن: «نعتز بإخوتنا المقيمين الذين نسعد بهم على أرضنا.. قمة الوفاء حين نراهم يرددون النشيد الوطني الإماراتي في هذا الوقت الصعب».. وهذا الوفاء فرضته أفعال؛ حيث احتضنت الإمارات المقيمين فيها منذ بداية الأزمة، وقدمت لهم العلاج المجاني، ومنحتهم الإحساس بأنهم أولاد البلد وليسوا ضيوفاً عليه.

الجميع يدرك أن حالة من الركود بدأت تضرب الاقتصاد العالمي، وستزداد حدة كلما طال أمد الأزمة، وهو ما يستلزم عودة حكيمة متدرجة للحياة العادية؛ لأن ضياع صحة الناس والتفريط بحياتهم لن يخلف فقط ركوداً وإنما سيخلف انهياراً وفناء اقتصادياً وإنسانياً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"