الصوت العربي والمسلم في الانتخابات الفرنسية

01:51 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. غسان العزي

الإسلام هو الدين الثاني في فرنسا، حيث يشكل المسلمون خمسة في المئة من الجسم الانتخابي. وقد عمل «معهد إيفوب»، المتخصص باستطلاعات الرأي والتحقيقات والماركتنغ، على تحديد دور الصوت العربي والمسلم في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، العام ٢٠١٢، فخلص إلى أن الأغلبية الساحقة من المسلمين صوّتوا لمصلحة اليسار الفرنسي. فقد حصل فرانسوا هولاند على ٥٧٪ من أصواتهم في الدورة الأولى من الانتخابات التي جرت في ٢٢ إبريل/ نيسان ٢٠١٢، والتي حصد فيها ٢٩٪ من أصوات الناخبين الفرنسيين عموماً.
كذلك أعطى المسلمون مرشح «يسار اليسار» جان - لوك ميلانشون عشرين في المئة من أصواتهم (حصل على ١١٪ من الأصوات عموماً)، فقط سبعة في المئة من المسلمين والعرب صوّتوا لمصلحة الرئيس المرشح ساركوزي والذي استحوذ على ٢٧٪ من الأصوات. أما زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان فحصلت على أربعة في المئة من أصوات هؤلاء، في مقابل ١٨٪ على المستوى الوطني العام.
في الدورة الثانية من هذه الانتخابات الرئاسية نفسها أعطى المسلمون والعرب ٨٦٪ من أصواتهم لفرانسوا هولاند (أكثر ب٣٤ نقطة من المعدل الفرنسي العام). وليس هناك من شريحة فرنسية دينية أو إثنية أو غيرها صوتت بهذه الكثافة لمصلحة هولاند وضد ساركوزي.
وهذا التصويت العربي والمسلم لمصلحة هولاند هو الذي أوصله إلى الرئاسة، بحسب الأرقام التي حللها «معهد إيفوب» وجيل كيبيل المتخصص بشؤون الإسلام والمسلمين، في كتابه الأخير «رعب في فرنسا، نشوء الجهاد الفرنسي». ولو أن المسلمين بقوا على الحياد أو صوّتوا لمصلحة ساركوزي لفاز هذا الأخير بالرئاسة، كما تؤكد كل التحليلات.
هذا التصويت لمصلحة اليسار ليس جديداً (لسبب تاريخي على الأقل: انخراط أقوى لليسار في مكافحة الكولونيالية والعنصرية وانفتاحه على التعددية الثقافية...)، لكنه زاد كثيراً عما كان عليه في العام ٢٠٠٧، على الأرجح بسبب عهد ساركوزي الذي ساده نقاش عام حول الحجاب والبرقع والهوية الوطنية والإرهاب واللحم الحلال وغيره، والذي كان فيه لليمين المحافظ مواقف تبتعد عن المزاج الإسلامي العام.
لكن سرعان ما شعر المسلمون بخيبات أمل حيال عهد هولاند الذي لم ينفذ أياً من وعوده لهم، فكانت الانتخابات البلدية، في العام ٢٠١٤، فشلاً ذريعاً للحزب الاشتراكي.

ويرفض بعض الباحثين الفرنسيين تعبير «الصوت العربي - المسلم» لأنه، في رأيهم، ما من تصويت موحد يستدعي مثل هذه التسمية. وما حصل في العام ٢٠١٢ كان استراتيجية من صنع فرانسوا هولاند الذي توجّه بوعود للجمعيات والأئمة والمساجد والجاليات المسلمة والعربية كي تستنفر منتسبيها ومؤيديها لمصلحته، وهذا ما حصل. لكن هناك عوامل كثيرة تاريخية وإيديولوجية وسياسية ولغوية وثقافية وغيرها تحول دون توحيد الصوت العربي - المسلم. فعلى سبيل المثال يحظى جان - لوك ميلانشون بتأييد واسع في صفوف المسلمين، بسبب مواقفه ضد العنصرية وتمثيله لليسار الشعبي وتأييده للقضية الفلسطينية، لكنه في المقابل اتخذ مواقف ضد الحجاب الإسلامي بل وكتب يقول «لننزع حجاب المحجبات»، الأمر الذي يستفز الكثير من المسلمين الملتزمين. كذلك يحظى زعيم الوسط فرانسوا بايرو بتصويت عدد كبير من المسلمين، لأن له مواقف عدّة إلى جانب العرب والمسلمين وأخرى لا تعجبهم مثل تأييده لحرية التعبير عندما نشرت مجلة «شارلي - إيبدو» الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لرسول الإسلام. من جهته عمدة مدينة مرسيليا الاشتراكي، وهي المدينة التي تضم العدد الأكبر من مسلمي فرنسا وعربها، كان يحظى بتأييد هؤلاء، لكنهم ابتعدوا عنه عندما أيد الزواج المثلي واتخذ مواقف مفرطة في علمانيتها.

معضلة المسلمين أنهم يعيشون في مجتمع باتت شرائح واسعة فيه تعبر علناً عن سخطها من العرب و/ أو المسلمين، حيث صار فيه اليمين المتطرف المعادي لهم في المركز الأول منذ انتخابات العام ٢٠١٥ الإقليمية. والمفارقة أن هذا اليمين المتطرف يحظى بمليون صوت مسلم وعربي، تقول التحقيقات إنه ناجم عن سخط مسلمين كثيرين من أقرانهم واتهامهم لهم بأنهم يسيئون إلى صورة الإسلام والعرب.
من الجهة المقابلة، فإن معضلة المرشحين الفرنسيين تكمن في أن تقربهم من الناخبين المسلمين، طمعاً في أصواتهم، يجعلهم يخسرون أصواتاً من عديد الشرائح الفرنسية المحافظة. ومن الصعوبة بمكان الوقوف في الوسط حيال مسائل تشغل الرأي العام في فرنسا على خلفية تفجيرات إرهابية وتهديدات يتبناها تنظيم يطلق على نفسه «الدولة الإسلامية». ففي الانتخابات التمهيدية لحزب «الجمهوريين»، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لُقّبَ ألان جوبيه، الذي كان رئيساً للوزراء ثم وزيراً للخارجية، ب«علي جوبيه»، فخسر الانتخابات لمصلحة رئيس الوزراء السابق فرانسوا فيون الذي تبنى خطاباً إسلاموفوبياً. وتعرض مرشح الوسط -الاجتماعي إيمانويل ماكرون إلى سيل من الانتقادات بسبب إعلانه خلال زيارة انتخابية للجزائر بأن «الاستعمار جريمة ضد الإنسانية». وحتى الوزراء من أصول مغاربية يتعرّضون لهجمات عنصرية، فوزير تكافؤ الفرص السابق عزوز بيجاج كان يلقب ب «وزير العرب»، واتهمت وزيرة والعدل السابقة رشيدة داتي بالانتهازية والتقرب من ساركوزي للحصول على مرادها، أما وزيرة العمل الحالية مريم الخمري فتقول إنها ملّت من واجب البرهنة بشكل مستمر أنها فرنسية حقيقية رغم لون جلدها وأصولها المغاربية، وهذه حال وزيرة التربية نجاة بلقاسم المتهمة بالاستفادة من «التمييز الإيجابي» رغم أنها مولودة في فرنسا.
على الأرجح أن تتبعثر أصوات العرب - المسلمين في هذه الانتخابات في غياب مرشح يركز على قضاياهم ويقدّم الوعود لهم، وأن ترتفع في صفوفهم نسبة الامتناع عن التصويت.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"