العرب ومصائبهم الكبرى

02:37 صباحا
قراءة دقيقتين
د/عبدالعزيز المقالح

من التعابير الشائعة قولهم: «إن كل شيء يولد صغيراً ويكبر، إلاَّ المصائب فإنها تولد كبيرة ثم تصغر». ويمكن لهذا التعبير أن يتحول إلى قانون ثابت لدى كثير من الأقوام، إلاَّ العرب وحدهم، فإن مصائبهم تبدأ صغيرة، ثم تكبر، وتتضخم إلى أن تسد الآفاق التي كان من المحتمل أن تفتح الطريق لحل ما.
وعندما نتأمل الواقع العربي في كثير من الأقطار نجد أن هذا التعبير في صفته الأخيرة ينطبق عليهم تماماً، فمشاكلهم الكثيرة والقائمة حالياً كانت بدأت صغيرة، ثم تطورت، وتضخمت، إما بفعل الإهمال، وإما الانشغال بالقضايا الثانوية، ما جعل الحل شبه مستحيل، إن لم نقل مستحيلاً.
وفي ضوء ما يثيره ذلك القول، نرى أن ما يحدث هنا وهناك في هذا القطر المشرقي، أو ذلك القطر المغربي، لا يخرج عن هذه القاعدة التي تجعل من الأمور الصغيرة قضايا كبيرة غير قابلة للحل، وسواء أكانت هذه الأمور تتعلق بالشأن الداخلي لكل قطر، أم بالشأن الخارجي. وإذا ما أخذنا السودان مثلاً نموذجاً، فإننا سوف نرى أن هذا القطر العربي الذي لا يكاد يخرج من محنة حتى يقع في محنة أكبر، إنما يحدث له ذلك للأسباب التي سبقت الإشارة إليها، وهي الإهمال، أو الانشغال بالأمور الصغيرة البعيدة عن مصالح الناس، ومتطلبات حياتهم. وكان بمقدور هذا القطر أن يتجاوز محنه المتكررة فيما لو وعى المسؤولون حقيقة المشكلة، أو أدركوا أن في مقدورهم تجاوزها، والخروج من المآزق التي تحيط بالبلاد.
إن الأقطار العربية، ليست بحاجة إلى انقلابات، وانقلابات مضادة بقدر حاجتها إلى فهم الأسباب المؤدية إلى ما تعانيه. والذين يعتقدون أن الانقلابات قد تؤدي إلى حل ما، إنما يتجاهلون كل ما مر بالأقطار الانقلابية من فوضى، وتبديد للطاقات، من دون الوصول إلى حل يذكر. والدليل على ذلك الانقلابات التي شهدها السودان وكانت تقوده من نفق إلى نفق، ومن ضياع إلى ضياع.
وما يتمناه كل حريص على مستقبل أقطارنا، وأمتنا، أن تصحو القوى السياسية من غفلتها، وتقرأ بوعي صحيح المقومات المؤدية إلى مستقبل مغاير لما هو قائم، مستقبل لا تتكرر فيه الأخطاء، ولا تتضخم فيه المصائب، والمصاعب، وليس ذلك بعيداً، ولا مستحيلاً على هذه القوى التي لا شك في أنها قد تعبت، وعليها أن تأخذ العبر مما حصل نتيجة وضع من كان في الحكم نفسه في خدمة لأصحاب المصالح والطامعين في الاستيلاء على الحكم لأغراض غير شريفة، ولا نظيفة، الهدف منها الإثراء، واستغلال السلطة خارج ما تقام السلطات من أجله، ولن تتغير أوضاعنا، ولن تتبدل ما لم يرتق وعي القوى الوطنية ويصل إلى المستوى القادر على تجاوز الأحوال السائدة بكل مساوئها، وردود أفعالها، مع ضرورة ارتفاع درجة المسؤولية والإحساس بما يفرضه الواجب نحو الوطن والمواطنين حاضراً، ومستقبلاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"