العرب ومعركة الاستقرار

02:11 صباحا
قراءة 4 دقائق
الحسين الزاوي

يعيش الوطن العربي والإسلامي مرحلة من أصعب مراحله التاريخية، حيث تتعرض دوله الوطنية لمحن شديدة غير مسبوقة، كونها تواجه تحديات عالمية كبرى، تجعل ما هو محلي، أو وطني، أو حتى مناطقي يحمل صبغة دولية نتيجة لتداخل المصالح بين القوى الإقليمية والقوى الكبرى الساعية إلى الدفاع عن مصالحها من خلال استهداف أمن وسيادة واستقرار الدول العربية في مناطق عدة من جغرافية الوطن العربي، مشرقاً ومغرباً.
لقد بات العرب يواجهون بؤر توتر عدة في العراق واليمن وسوريا وليبيا، والقائمة مرشحة للارتفاع بسبب المؤامرات الخارجية وتراجع قيم الوحدة الوطنية وانتشار الهويات الجزئية التي تنتصر للعرق والطائفة والعشيرة، على حساب قيم الانتماء المشترك، بخاصة بعد أن أصبح الذين يدافعون عن التفرقة أكثر جرأة من الذين يدافعون عن روح الإخاء والمواطنة المشتركة والجامعة ما بين كل مكونات المجتمع داخل الدول الوطنية.
نلاحظ أنه في مصر على سبيل المثال، يسعى المتشددون إلى إذكاء روح الفتنة الطائفية بين الأقباط والمسلمين، حيث يدعو بعض رجال الدين إلى عدم تهنئة المسلمين لإخوانهم الأقباط بحلول عيد ميلاد السيد المسيح، ويصلون إلى حد إنكار الأخوة في الوطن ما بين أبناء الدولة الواحدة، ويشطبون بذلك بجرّة قلم قروناً من التعايش السلمي بين الطائفتين. وهناك من يعمل على دعم التنظيمات الإرهابية التي تستهدف الأبرياء من المواطنين وأفراد القوات المسلحة الذين هم جزء لا يتجزأ من الروح الجماعية للشعب المصري الشقيق، ويرى بعضهم أن استهداف قوات الشرطة أمر «مشروع». وبموازاة ذلك هناك من يرفض المساعدة على تخفيف معاناة الفقراء والمعوزين، ولكنه لا يجد حرجاً في تقديم الملايين للتنظيمات المتطرفة في سيناء التي تستهدف وحدة مصر وسلامة أراضيها وتسعى إلى خدمة المشروع الصهيوني الرامي إلى تقسيم المقسم، وتجزيء المجزأ.
ويمكن القول في السياق نفسه، إن الاستخبارات الغربية تسعى إلى الاستثمار في الخلاف السعودي - الإيراني من خلال العمل على تأجيج حدة الصراع بين الدولتين من أجل إشعال حرب إقليمية جديدة تقضي على ما بقي من استقرار ثمين في منطقة الخليج العربي. ويبدو أن النظام في إيران يوفر جانباً كبيراً من الذرائع لهذه الاستخبارات من أجل زعزعة استقرار المنطقة بسبب سياسته التوسعية في المنطقة، فضلاً عن تدخله في الشؤون الداخلية للدول واعتدائه على سيادة المملكة العربية السعودية وعلى مؤسساتها الدبلوماسية، وتهجمه غير المقبول على قرارات العدالة في دولة مستقلة وذات سيادة.
وتسعى التنظيمات الإرهابية من جهة أخرى، إلى استهداف أمن واستقرار دول الخليج، حيث تقوم الكثير من قوى الإسلام السياسي بتوجيه تهديداتها المباشرة لدول المنطقة، وفي مقدمها الإمارات العربية المتحدة التي تعرضت، وما زالت تتعرض لهجوم كبير من قبل التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، عقاباً لها على مواقفها المبدئية الراسخة في الدفاع عن قضايا الأمة العربية، وعلى دفاعها عن ثورة الشعب المصري الشقيق في 30 يونيو/حزيران سنة 2013. وعليه فإنه ومن خلال استهداف جماعات الإسلام السياسي لدولة الإمارات فإنها تسعى إلى النيل من النموذج الخليجي الأبرز في مجال التنمية الاقتصادية والبشرية، وصاحب الريادة العالمية في مجال السياحة والتجارة والخدمات.
كما أن مناطق النزاع في الوطن العربي مازالت تعيش على وطأة الصراعات الحادة ما بين مختلف الأطراف المتحاربة في العراق وسوريا واليمن وليبيا، بالرغم من المحاولات التي تبذلها القوى العربية الإقليمية من أجل إيجاد حل سياسي لهذه النزاعات التي دمرت هذه الدول العربية، وشرّدت أبناءها، حيث أنه كلما ظهر بصيص أمل من أجل إيجاد حل سلمي في سوريا واليمن، كلما برزت وتجلت معه تعقيدات تستهدف إطالة أمد الصراع ومضاعفة معاناة المواطنين السوريين واليمنيين. والشيء نفسه يمكن أن يقال عن العراق الذي لم يستطع جيشه حتى الآن أن يستعيد هيبته منذ أن قام الحاكم الأمريكي السابق «بول بريمر» بحلّ الجيش العراقي السابق. ونلاحظ أن الميليشيات المسلحة باتت تلعب في كل من العراق وليبيا، دوراً في غاية السلبية من أجل عرقلة مشاريع الحل السياسي التي تسعى القوى السياسية الرافضة للطائفية والمناطقية إلى ترجمتها على أرض الواقع.
وتشهد في السياق نفسه الحدود الجزائرية - التونسية توتراً متصاعداً نتيجة للنشاطات التي تقوم بها الجماعات المتطرفة التي تستهدف وحدة واستقرار الدولتين، حيث نفذت المجموعات عمليات إرهابية عدة بجبل الشعانبي، علاوة على الاعتداءات التي قامت بها هذه المجموعات في العاصمة التونسية ومدينة سوسة الساحلية، وبالرغم من كل هذه التحديات فقد استطاعت النخب السياسية التونسية تجنيب هذا البلد ويلات حرب أهلية عندما توصل التونسيون إلى إبرام اتفاق سياسي برعاية اللجنة الرباعية التي حصلت لاحقاً على جائزة نوبل للسلام في سنة 2015. وبالإمكان أن نضيف إلى كل تلك العناصر التي جرى استعراضها، جملة التحديات الأمنية الكبرى التي تعيشها دول المغرب في حدودها الجنوبية مع مالي والنيجر والتشاد، وبخاصة بعد التدخل الفرنسي في مالي وتزايد النشاطات الإرهابية لمجموعة بوكو حرام، التي تظل إمكانية تحالفها مع المجموعات الإرهابية في شمال إفريقيا أمراً وارداً إلى حد بعيد.
ونستطيع أن نستنتج تأسيساً على كل ما سبق، أن العرب يعيشون من المحيط إلى الخليج تداعيات حرب ضارية من أجل نيل الاستقرار في مواقع النزاع، وحرباً أخرى أكثر شراسة تهدف إلى المحافظة على هذا الاستقرار في المناطق الأخرى التي ما زالت تنعم بنعمة الأمن والأمان. ويدفع العرب لأجل ذلك أثماناً باهظة من التضحيات المادية والبشرية، فهناك ما يشبه حرب استنزاف غير معلنة على الجغرافيا العربية منذ أن بدأت الدول الغربية الكبرى تفصح، بل وتعلن من دون مواربة، عن رغبتها في إعادة النظر في الحدود الموروثة عن اتفاقية سايكس- بيكو.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"