الكرة ليست في ملعب طرف واحد

04:21 صباحا
قراءة 4 دقائق

مضى أكثر من أسبوعين على صدور تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق التي ترأسها البروفيسور المصري الأمريكي شريف بسيوني . التقرير كما هو معلوم حمل حشداً من الملاحظات الناقدة لأداء السلطة التنفيذية، خلال حملة الاحتجاجات التي شهدتها مملكة البحرين خلال شهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار من العام الجاري . التقرير الذي نشرته مختلف وسائل الإعلام بما فيها المقربة من الحكومة، زكّى العديد من الانتقادات التي وجهتها قوى أساسية في المعارضة، ومع ذلك فقد حظي التقرير بقبول محدود لدى هذه الأطراف السياسية، فيما أثنى بعضها الآخر عليه، معتبراً أن العبرة في التنفيذ وهو قول محق، أما الجهات الحكومية فقد شددت على التزامها بما ورد في التقرير والاستعداد لتطبيق ما ورد فيه .

ليعترف المرء أنها سابقة طيبة أن تعمد دولة للاحتكام إلى لجنة دولية مستقلة للنظر في اضطرابات داخلية . لم يتم التذرع بمقتضيات السيادة للتهرب من معالجة نزيهة للوضع الداخلي، علماً أن مفهوم السيادة يشمل حق الشعب بالتمتع بالأمن والحرية على أرضه، ولا يقتصر على حق السلطة في بسط نفوذها . أسست اللجنة بقرار ملكي في أواخر يونيو/ حزيران الماضي، ورغم أنها لجنة بحرينية، فإن أعضاءها شخصيات دولية، وقد أشرف خمسة أعضاء على عمل اللجنة وجميع هؤلاء حقوقيون متخصصون في مجال حقوق الإنسان، وسبق لمعظمهم أن شارك في لجان تابعة للأمم المتحدة في مناطق نزاع مختلفة . وعلى مدى نحو خمسة شهور انكبت اللجنة على عملها، وبحثت في ما بحثته في زهاء ثمانية آلاف شكوى، انطوى بعضها على مزاعم بالتعذيب والاغتصاب .

من الاستخلاصات السياسية التي انتهت إليها اللجنة عدم تحميل الجمهورية الإيرانية أية مسؤولية عن الاضطرابات، كما سبق للحكومة أن رددت مراراً، وكذلك تبرئة قوات درع الجزيرة من أية تجاوزات، كما دأبت المعارضة على تصوير الأمر . وهو استخلاص يستحق التوقف عنده، إذ إن نسبة اضطرابات داخلية إلى أطراف خارجية يظل قليل الفائدة حتى لو صح حدوثه . فإن كان ذلك صحيحاً بالافتراض فهو ناجم عن قصور داخلي، وعن بيئة رخوة تسمح بحدوثه، ما يتعين معه توجيه الأنظار والجهود، نحو الاصلاح الداخلي وإرساء قيم الوحدة الوطنية عبر الممارسة والتدابير التشريعية، للوفاء بهدف تحقيق الوفاق الوطني أولاً، ثم لدرء أي تدخل خارجي ثانياً . طبعاً هناك أشكال أخرى للتدخل منه ما هو ذو طابع سياسي وإعلامي، على أن أشكال التدخل جميعها لن تؤدي الغرض منها في حال وجود بيئة وطنية متماسكة قائمة على المشاركة والتوافق .

هناك بعدئذٍ التوصية المهمة بخصوص تشكيل لجنة وطنية، للسهر على متابعة تنفيذ توصيات اللجنة الدولية . فلابد في تشكيل هذه اللجنة أن تضم في صفوفها شخصيات قانونية واجتماعية تعكس مختلف أشكال الطيف الوطني والاجتماعي، وقد لا يبالغ المرء بالقول إن تشكيل هذه اللجنة لابد أن يعكس إرادة الإصلاح التي سبق التعبير عنها قبل سنوات في ميثاق العمل الوطني الذي حظي برعاية ملكية، وكذلك إرادة جبر الأضرار وأداء التعويضات ومحاسبة من ارتكبوا التجاوزات ابتداء من إعفائهم من مواقعهم، وهو ما حدث بعضه في الأيام الأولى التالية لصدور تقرير اللجنة الدولية .

إن تشكيل اللجنة الدولية ونشر تقريرها النقدي على أوسع نطاق داخل البلاد، فتح باباً واسعاً للأمل في رؤية نهاية طيبة للاضطرابات، والمهم هنا هو اقتناص هذه الفرصة وتوسيعها والبناء عليها، من أجل تطبيق التوصيات والمضي على طريق الإصلاح الداخلي، بما في ذلك استكمال إرساء مرتكزات الدولة الحديثة التي تعلي من شأن قيم المواطنة وحقوق الإنسان واستقلالية القضاء وحرية تكوين الأجسام التمثيلية: البرلمانية والنقابية والمهنية تحت مظلة قوانين متطورة، بما ينعكس إيجاباً على جميع الأطراف من حكام ومحكومين ويمتّع البلاد والمجتمع بالاستقرار والمنعة والتماسك، ضد أي تدخل خارجي أو جنوح داخلي للعودة إلى الوراء .

وفي القناعة أن العمل بهذه الروحية يجسد طموحات ووعوداً سابقة التقت عليها سائر الأطراف في بلاد ديلمون، ومن شأنه أن يضع المملكة الفتية على طريق الربيع العربي، بإرادة وطنية ذاتية: رسمية وشعبية، بعيداً عن أي نزعات انقلابية ومتطرفة أو أهواء إقصائية واحتكارية، وبما يحفظ النسيج الاجتماعي ويعيد رتق ما انفرط منه بروح عالية من التجرد والنزاهة . ولعل هذه مسؤولية البحرينيين جميعهم، فالكرة في ملعب جميع الأطراف، وهذه مدعوة بلا استثناء لإبداء حُسن النوايا والبرهنة عليها قولاً وعملاً، وخاصة بعدما لقي تشكيل اللجنة وصدور تقريرها ترحيباً واسعاً في الخارج شمل الصين وتركيا على سبيل المثال، إضافة إلى الأمانة العامة للجامعة العربية وهيئات دولية .

ولا شك أن الانطلاق من ذلك هو أفضل من الانغماس في جدل عقيم عمّا إذا كان بوسع النظام محاسبة ذاته مثلاً، إذ إنه يسع النظام بالفعل تطبيق معايير العدالة بحق أفراد أو جهات من داخله كما من خارجه، والأنظمة السائرة على طريق الديمقراطية لا تتوانى عن التصويب الذاتي وتوفير الآليات المناسبة لذلك . على أن التصحيح والمراجعة هي مهمة تنتظر الوفاء بها من أطراف عديدة تشمل السلطات ولا تقتصر عليها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"