اللاجئون السوريون.. رحلات الموت والمعاناة

02:44 صباحا
قراءة 3 دقائق
سلطان حميد الجسمي
تدخل الحرب في سوريا عامها السادس، محمّلة بأثقال الموت الزؤام، وآهات الجروح الغائرة، وقصص المآسي التي يندى لها الجبين، وتتفطر لها القلوب، كأنها كابوس أسود مظلم جاثم على صدر هذا البلد العربي، يجرف معه كل سعادة، وبسمة، ومعنى للحياة، فأيّ طعم للحياة في ظل حرب شعواء تأكل أبناءها كأكل الوحوش الضواري، ولا تعرف الرحمة بأطفال، أو شيوخ، أو نساء، أو مرضى وعجزة، ولا تقتصر الخسائر البشرية على القتلى والجرحى فقط، بل تمتد لتشمل اللاجئين والمهجّرين الذين اضطرتهم ظروف الحرب إلى ترك منازلهم، وأوطانهم، والفرار بأنفسهم وعائلاتهم عن طريق النزوح والهجرة.
موجات النزوح المستمر هي إحدى المآسي المؤلمة التي أفرزتها الحرب في سوريا. آلاف من الرجال، والنساء، والشيوخ، والأطفال، يخاطرون بحياتهم فراراً من جحيم الحرب، والموت الذي يسقط عليهم من السماء، ويستهدفهم من الأرض، نتيجة القصف العنيف بالصواريخ، والبراميل المتفجرة، والرصاص الذي يلاحقهم في كل مكان، وإرهاب القناصين، والميليشيات، والفصائل المتصارعة والتنظيمات الإرهابية، ولكنهم في واقع الأمر يفرون من جحيم الحرب المشتعلة إلى جحيم رحلات الموت، والمعاناة، والغربة القاسية، وعالم المجهول الذي ينتظرهم في الضفة الأخرى من الحياة القاسية.
الأزمة في تصاعد خطر منذ اشتعالها، حيث يبلغ عدد اللاجئين السوريين، بحسب آخر إحصائية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قرابة 6 ملايين سوري، يتفرقون في بلدان شتى، بين الأردن، وتركيا، ولبنان، والعراق، ومصر، وغيرها، ويزحفون إلى الدول الأوروبية برحلات على قوارب الموت، يصارعون الأمواج العالية والرياح العاتية، وكثير منهم يبتلعهم البحر، ويبتلع معهم أحلامهم إلى الأبد.
آلاف النازحين يعيشون في المخيمات والعراء، ويواجهون ظروف الحياة القاسية، وموجات البرد والثلوج والصقيع، ويواجهون نقصاً كبيراً في الوسائل الأساسية للمعيشة، مثل الغذاء، والدواء والخدمات الطبية، وانتشار الجهل والمرض والعوز، وقلة ذات اليد، ويمر عليهم العيد تلو العيد وهم في ظلام البؤس والتعاسة، ينتظرون بصيصاً من الأمل لعله يبرق يوماً ليعودوا إلى أوطانهم، ويلقوا عن كواهلهم أثقال المحن، والويلات اليومية، ويفرحوا بأعيادهم وأيامهم، في سلام واستقرار.
عائلات سورية تفكّكت وتفرق شملها، وأناس فقدوا أفراد عائلاتهم، إما اختطفهم الموت، وإما أصبحوا في عداد المفقودين، وآخرون خسروا كل شيء، وشباب فقدوا مستقبلهم وأصبحوا كتلة من الإحباط واليأس، والحيرة، ضاعت أحلامهم، وطموحاتهم، وأما فرص التعليم العالي فقد أصبحت بالنسبة لهم ضرباً من الخيال.
والأطفال هم أكثر الشرائح المتضررة من النزاع السوري، فهم يمثلون أكثر من نصف عدد اللاجئين السوريين، وهناك أطفال فقدوا عائلاتهم بالكامل، ولم يبق لهم أحد، وأطفال يعيشون من دون معيل، فيضطرون للعمل في سن مبكرة، يكابدون ظروف العمل القاسية ساعات طويلة، مقابل أجور ضئيلة، ويتعرضون لجميع أنواع المخاطر، والأضرار الجسدية، والنفسية الكبيرة، مع قليل من الراحة، وكثير من المعاناة، وأطفال يولدون في تلك الظروف من دون أن يكون لديهم شهادات ميلاد، ما يعرضهم للعديد من المخاطر، مثل الاتجار بالبشر، وقد يفقدهم ذلك الأمل بالعودة إلى وطنهم، مع انعدام الوثائق الضرورية.
ويعاني كثير من الأطفال اللاجئين فقر التعليم وانتشار الجهل نتيجة ظروفهم القاسية، ما ينعكس سلباً على نموهم الفكري، وعلى مستقبلهم، ويجعلهم عرضة للانحراف والدخول إلى عالم الجريمة، وهو ما يدق ناقوس الخطر، وينذر بضياع جيل كامل، إذا لم يعمل المجتمع الدولي على إنقاذهم وإعادة تأهيلهم، وتتوقف رحى الحرب الطاحنة، ويتم إيجاد حل للقضية السورية يعيد الاستقرار والأمان إلى المنطقة.
ومن زاوية أخرى، فإن شؤم الإرهاب لم يقتصر على إطالة أمد الحرب في الداخل السوري فقط، بل لاحق حتى اللاجئين في منفاهم، فالإرهابيون الذين هم أحد أطراف الصراع في سوريا، هم أيضاً يسيئون إلى سمعة اللاجئين خارج سوريا، في أوروبا، وأمريكا وغيرها من البلدان، ويتسببون نتيجة جرائمهم الإرهابية باتخاذ بعض الدول قرارات صارمة ضد اللاجئين، ما يزيد من معاناتهم وتضييق الخناق عليهم، عدا العبء الكبير الذي يشكله ازدياد أعداد اللاجئين على البلدان المضيفة، خاصة الدول التي تعاني ظروفاً اقتصادية صعبة واضطرابات أمنية.
معاناة إنسانية كبيرة يعيشها اللاجئون السوريون، الذين يحلمون بالعودة إلى وطنهم، ليستعيدوا آمالهم وطموحاتهم، ويعيدوا البسمة التي غابت عنهم وعن أطفالهم المحرومين، ويعوضوا سنوات القسوة والذل والحرمان التي عاشوها، فليس هناك أجمل من السلام والاستقرار في الأوطان، وعندما تحلق حمائم السلام على أرض سوريا، وتطوي الحرب صفحتها البائسة المشؤومة، سيبتسم التاريخ من جديد، ويبث ترانيم الأمل وألحان الحياة في نفوس ملايين اللاجئين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب في المجال السياسي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"