المحور الروسي - الصيني

04:47 صباحا
قراءة 4 دقائق

كثر الحديث في هذه الأيام عن تحالف بين الصين وروسيا بمناسبة الموقف الصيني - الروسي المشترك من الأزمة السورية وصعود نجم البريكس ومواقف البلدين المناهضة للولايات المتحدة في غير منطقة من العالم وملف . فهل يمكن الكلام عن تحالف، أو محور، بين البلدين، من شأنه تغيير طبيعة النظام الدولي برمته؟

في عودة إلى الوراء لم يكن البلدان الشيوعيان متحالفين، خلال الحرب الباردة، بل بالعكس قامت خصومة معلنة بين الصين الشعبية والامبريالية السوفييتية كما كان يسميها ماو . ولم تتحسن الأمور كثيراً في عهد بريجنيف ودينغ شياو بينغ .

لقد أخفقت الايديولوجيا الماركسية في خلق تقارب بين البلدين، لكن الظروف اختلفت اليوم، فروسيا اعتنقت اقتصاد السوق ولم تعد زعيمة لمعسكر كبير، والصين تبنت اقتصاد السوق الاشتراكي وتخلصت من عقدة البلد الضعيف الذي يخشى هيمنة الشقيق اللدود . وفي ظروف الوهن الذي يضرب الاقتصادات الغربية عموماً فان التبادل التجاري بين الصين وروسيا زاد حجماً وتنوعاً، وبات من مصلحة البلدين أن يشعر حلف الأطلسي هو الآخر بالوهن كونه دأب على محاصرتهما منذ انتهاء الحرب الباردة . ويمكن القول إن ثمة عناصر ثلاثة تساعد على تكوين تحالف بين البلدين:

توسع الغرب بعد الحرب الباردة إلى حدود روسيا يدفعها إلى التطلع شرقاً صوب آسيا، وتحديداً الصين، لموازنة نفوذ حلف الأطلسي . والصين تحتاج بدورها إلى روسيا بسبب افتقادها للحلفاء في آسيا الجنوبية والشرقية . فلا الهند ولا اليابان يمكن لهما أن يصبحا حليفين للصين في حين أن الدول الصغيرة في آسيا الجنوبية - الشرقية تفضل الحياد ما بين القوى الآسيوية الكبرى .

من ناحية أخرى، تحتاج الصين إلى الطاقة كي تستمر في نموها وروسيا تبيعها 51 مليون طن من النفط وتتعاون معها في عدد من المشاريع البتروكيميائية والطاقة النووية . والتجارة بين البلدين في نمو مضطرد تعويضاً عن ضمور الأسواق الغربية بفعل الأزمة المالية المتفاقمة .

العنصر الثالث متعلق بالنظام الدولي الذي حاولت الولايات المتحدة الهيمنة عليه في العقدين المنصرمين على حساب الصين وروسيا اللتين كانتا وراء خلق منظمة شانغهاي منذ العام 1996 والتي تفعّلت في يونيو/ حزيران 2001 بعد أن انضمت اليها دول عديدة (كالهند وإيران واندونيسيا وعدد من دول آسيا الوسطى) لتشمل القسم الأكبر من آسيا القارية .

رغم ذلك لايمكن الكلام عن محاولة روسية وصينية لبناء نظام دولي جديد . فالبلدان يمارسان رد الفعل على محاولات التطويق الأمريكي لهما مباشرة وعبر حلف الأطلسي . هذا الأخير وصل إلى أبواب روسيا عندما ضم ليس فقط اوروبا الشرقية والوسطى اليه ولكن دول البلطيق واستمر في محاولاته ضم جورجيا وأوكرانيا، ناهيك عن الدروع الواقية من الصواريخ واحتلال افغانستان والعراق ومحاصرة إيران . والصين تشعر بأنها مهددة استراتيجياً أقله بسبب اعتمادها المتزايد على نفط منطقة الشرق الأوسط التي تحاول واشنطن وضع اليد عليها .

امبراطورية الوسط لا ترغب بالانغلاق في تحالف مع روسيا بقدر ما تفضل تقوية تبادلاتها التجارية مع الغرب . وروسيا لا تسعى لاحياء حلف وارسو بقدر ما تحاول درء الهيمنة الغربية . بمعنى آخر لم نعد في حقبة الحرب الباردة فروسيا والصين تعرفان ما معنى العولمة . وبكين بالتحديد، تفضل التبادل والتجارة والتفاعلات والمصالح المشتركة وتمويل الدول المديونة على الصراعات والمواجهات عدا أنها لا ترغب أبداً في تصدير نموذجها إلى العالم كما كانت عليه الأمور خلال الحرب الباردة، وفي تاريخها كله لم تكن يوماً دولة امبريالية تسعى للهيمنة على الآخرين . أما روسيا فقد تعلمت دروس الحرب الباردة ولم تعد تسعى لتصدير نموذجها بقدر حماية مصالحها كقوة عظمى، اقليمية على الأقل، والمحافظة على سيادتها في وجه الهجوم الأطلسي .

لهذه الأسباب ولأسباب تتعلق بالتنافس بين روسيا والصين في المجال التجاري لاسيما في آسيا الوسطى والخلافات الحدودية العالقة منذ زمن طويل والخوف الروسي من التمدد الديمغرافي الصيني على الحدود بينهما فانه من المبكر جداً الكلام عن تحالف بين البلدين اللهم إلا إذا كان ظرفياً وفي ملفات محددة كما في الشرق الأوسط حيث يتفقان على منع واشنطن من الهيمنة علي هذه المنطقة الغنية بالطاقة والمواقع الاستراتيجية . والحقيقة أن موسكو وبكين تستفيدان من الأخطاء الأمريكية في ادارة الملفات العالمية، الأمر الذي يوفر لهما التنسيق في ما يبدو تحالفاً أو محوراً في نظام دولي يحتاج إلى توازن . أما عن محور موسكو - طهران - بكين، فإيران الغنية بالنفط والقابعة في قلب اوراسيا ومنطقة شنغهاي تتميز بخصائص مهمة منها حدودها الطويلة مع الاتحاد السوفييتي سابقاً وروسيا حالياً وقربها من الصين التي تفصلها عنها دولة واحدة . هذا الموقع يجعلها تلعب دوراً استراتيجياً لجهة ممرات عبور الطاقة والانتماء في وقت واحد إلى عدة مجموعات اقليمية أساسية في آسيا الجنوبية والشرقية . من هنا خطورة التدخل الغربي فيها، كما في سوريا التي تملك موقعاً استراتيجياً هي الأخرى على المتوسط، من المنظورين الروسي والصيني .

لكن حتى هذا المحور لا يشكل تحالفاً بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، وحياته متعلقة باللحظة التي يقتنع الأمريكيون عندها أن عليهم التوقف عن تجاهل المصالح الروسية والصينية في بعض مناطق العالم .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"