المسكوت عنه في عملية الخصخصة

05:13 صباحا
قراءة 3 دقائق

عملية الخصخصة، بكل أنواعها وأطيافها، تجري على قدم وساق في كل الأرض العربية، وعلى الأخص في دول مجلس التعاون مؤخراً . ومع أن الأساس الذي تنطلق منه هذه العملية، وهو الاعتقاد بأن الدولة لا تعرف كيف تدير المؤسسات الاقتصادية بكفاءة وأن عبقرية وحيوية القطاع الخاص وحدها قادرة على ذلك، هو أساس أثبتت الأزمة المالية العولمية الأخيرة خطأه إلا أن جنون الخصخصة مرشح للانتشار بصورة أكبر بعد أن ارتبطت العملية بمصالح فئوية رسمية كبرى وبفساد عولمي متجذر ومغوٍ .

وعليه، دعنا نركز على إظهار المتخفي والمستور في هذه العملية . وبالطبع لا توجد مشكلة مع مبدأ الخصخصة إذا تمت العملية بضوابط ومعايير واضحة وشفافية تسمح للرأي العام أن يطمئن على المال العام وعلى المصلحة الوطنية من هنا أهمية طرح الأسئلة التالية .

أولاً: هل إن الملكية تنتقل من يد الدولة، أي القطاع العام الوطني، إلى يد قطاع خاص وطني، أم إن الملكية تنتقل إلى يد قطاع خاص أجنبي؟ ولا يؤثر في أهمية السؤال أن يكون القطاع الخاص الوطني شريكاً للأجنبي من الباطن . فالنتيجة هي انتقال ثروة وطنية إلى يد أجنبية، أي إفقار للوطن وإغناء لأشخاص وأوطان أخرى . إن الذي يحدث في كثير من الأحيان هو الإشادة بعملية الخصخصة وبالدور الذي يجب أن يلعبه القطاع الخاص في إدارة الاقتصاد، وأيضاً بإشاعة الانطباع، وليس بالضرورة الحقيقة، بأن الحكومات لا تعرف كيف تدير المنشآت الاقتصادية . لكن يغلب السكوت عن تفاصيل العملية وإلى أي يدٍ حقيقية، لا ظاهرية، انتقل المشروع المباع .

ثانياً: ويشمل السكوت عدم الحديث بتفصيل وشفافية عن الجوانب الاجتماعية السلبية التي قد تنتج من عملية الخصخصة . مثلاً، هي ستؤدي العملية إلى تسريح لجزء من العمالة باسم رفع الكفاءة وتحقيق الربحية؟ أو هل أن الأجور ستنخفض؟ وهي أسئلة مهمة للغاية، وبالتالي فإن الإجابة عنها يجب أن تسبق عملية البيع والشراء ليتأكد المواطنون أنهم لن يكسبوا الكفاءة ويخسروا استقرار المجتمع .

ثالثاً: ومن المسكوت عنه هو الضمانات التي يجب أن يقدمها المشتري بشأن بقاء المشروع في الوطن، وليس انتقاله إلى الخارج بعد حين لأسباب ربحية أو لوجود بلدان أخرى تسمح بحقوق أقل للعمال وبظروف أسوأ لأمكنة العمل . إن عدم وجود مثل هذه الضمانات سيعني إمكانية خسارة لجزء من ثروات الوطن، وهو أمر أصبح ميسوراً في عصر العولمة الذي نعيش .

ومن الممكن طرح أسئلة كثيرة أخرى، وهي جميعها تصب في موضوع الشفافية التامة ووضوح الشروط والضمانات لكي تكون عملية الخصخصة عملية وطنية ملتزمة بالمصالح العليا للمجتمع ولا تتم على حساب العاملين في المنشأة .

إضافة لذلك فإن نفس الشروط السابقة يجب أن تتوفر في الظاهرة الجديدة التي تنتشر مثل النار في القش، وهي ظاهرة التلزيم، لأجزاء من مسؤوليات الدولة للقطاع الخاص، إن هذه الظاهرة تهدد بأن تكون أخطر بكثير من الأولى بعد أن ارتكبت حماقات باسمها، فباسم هذا النوع من الخصخصة أعطيت لجهات أجنبية مسؤوليات الإدارة والإشراف وتقرير المحتويات لقطاع التعليم العام أحياناً ولبرامج التدريب الوطني أحياناً آخر، وباسمه يطلب من شركات أو مؤسسات حكومية أجنبية وضع شتى أنواع الدراسات المجتمعية وتقديم توصيات من قبل جهات لا تعرف تاريخ ولا ثقافة ولا عادات بلداننا العربية . بل إن هذه الجهات الأجنبية تقود إلى مزيد من التوجه نحو الخارج . والنتيجة هو نقل تقليدي أعمى للحلول الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من مجتمعات الخارج، والتي قد تكون صالحة لتلك المجتمعات ولكنها حتماً ليست صالحة لمجتمعاتنا، والنتيجة أيضاً هي إفقار للقدرات الوطنية في حمل المسؤوليات وإنماء مجتمعاتنا .

عملية الخصخصة بكل أنواعها تحتاج إلى عيون مجتمعية مفتوحة وإلى رقابة صارمة قبل أن تصبح كابوساً جديداً في حياة العرب .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"