المندهشون من ترامب.. أزمة ذاكرة!

03:41 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

الغضب من انحياز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لـ «إسرائيل» له ما يبرره، والمرارة التي يشعر بها العرب عامة والفلسطينيون على نحو خاص تجاه مواقفه الظالمة من قضاياهم وحقوقهم العادلة أمر طبيعي ومفهوم. غير أن الدهشة من انحيازه السافر أو مواقفه غير العادلة ليس لها ما يبررها، بل إن دهشة العرب مما يفعل الرجل ويقوله هي ما تستحق الدهشة بالفعل.
لم يتخذ ترامب مواقف مفاجئة. ما يفعله هو ما تعهد به من قبل. وليس في قراراته بشأن القضية الفلسطينية شيء مناقض لما أعلنه قبل عامين تقريباً عندما اقتحم حلبة سباق الانتخابات الرئاسية.
جاهر ترامب دائماً بانحيازه لـ «إسرائيل» شأنه في ذلك شأن الأغلبية العظمى من السياسيين الأمريكيين. الخلاف الوحيد أنه عندما نجح بدأ في تنفيذ تعهداته مهما كانت ظالمة وصادمة وفي مقدمتها الاعتراف بالقدس عاصمة ل «إسرائيل» ونقل سفارة بلاده إليها. هذا القرار تعهد به صراحة خلال حملته الانتخابية معتبراً القدس عاصمة أبدية موحدة للشعب اليهودي. قال هذا على الملأ، ولكن الذاكرة العربية المتخمة بالذكريات الأليمة تبدو وكأنها لم تعد قادرة على استيعاب المزيد أو اجتراره.
خلال حملته أيضاً لم يأت ترامب على ذكر للحقوق السياسية والتاريخية للفلسطينيين، ولا على المظالم التي يتعرضون لها تحت الاحتلال. ولم يتغير موقفه بعد انتخابه، ومن ثم فليس هناك ما يدعو للدهشة من مواقفه. وحتى عندما أراد الإيحاء بوجود تحرك لإحياء عملية السلام كلف بهذه المهمة ثلاثة من اليهود الأكثر انحيازاً لـ «إسرائيل» هم صهره جاريد كوشنر، وممثله في الشرق الأوسط جاسون جرينبلات، وسفيره في «إسرائيل» ديفيد فريدمان. وهذا الأخير هو أشدهم تعصباً. وهو من أعد ورقة سياسة لترامب تجاه القضية الفلسطينية خلال حملته الانتخابية. تضمنت الورقة وقتها استبعاد قيام دولة فلسطينية، والاعتراف بالقدس عاصمة ل «إسرائيل»، وحقها في ضم مساحات واسعة من الأراضي التي تقام عليها المستوطنات في الضفة.
السيناريو الذي يتضمنه هذا البرنامج اليميني المتطرف يتحقق حالياً. ولا حاجة للإشارة إلى موقف ترامب من مسألة الدولة الفلسطينية الذي يمثل تراجعاً واضحاً وجذرياً عن مواقف كل الرؤساء الأمريكيين طوال العقدين الماضيين والذين اعتبروا قيام الدولة حجر الزاوية في أية تسوية سلمية.
أحدث الصدمات التي تلقاها الفلسطينيون من ترامب، ولن تكون آخرها، هي ما حدث الأسبوع الماضي بتهديده وقف المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية بدعوى رفضها العودة للتفاوض. هنا أيضاً لا شيء يدعو للدهشة فلا معنى للتفاوض من وجهة نظر اليمين المتشدد سواء في أمريكا أو «إسرائيل» سوى التظاهر بوجود عملية سلمية دون أي تعهدات أو جدول زمني. وبالطبع دون أدنى قدر من التنازلات.
الفارق الوحيد هذه المرة هو أن ترامب لن ينفذ تهديده أو على الأقل لن ينفذه بصورة كاملة أي لن يقطع كل المساعدات، ليس من أجل الفلسطينيين ولكن لمصلحة «إسرائيل» نفسها. بغير المنح الدولية لن يكون بوسع السلطة تقديم الخدمات الصحية والتعليمية وإدارة المرافق والأهم دفع رواتب قوات الأمن. النتيجة المباشرة لهذا هي انهيار النظام العام وتفجر الاضطرابات الجماهيرية وشيوع الفوضى ومن ثم تدهور الوضع الأمني، وهو تطور لا يصب في مصلحة «إسرائيل» وليس بوسعها تحمله أو قبوله.
«إسرائيل» وليست السلطة الفلسطينية هي من ستبادر بالتحرك لضمان تدفق الحد الأدنى من المساعدات إلى السلطة حتى تبقيها على قيد الحياة لتؤدي وظيفتها في إدارة وحفظ الأمن بالمناطق التابعة لها. بدون السلطة سيتعين على «إسرائيل» القيام بكل المهام الإدارية والتنفيذية والأمنية في الضفة باعتبارها قوة احتلال، وهي أعباء تتحملها عنها السلطة الفلسطينية منذ اتفاقات أوسلو التي ضمنت ل «إسرائيل» احتلالاً هادئاً آمناً ومريحاً للأراضي الفلسطينية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"