النجاح في الصوملة وما هو أسوأ منها

04:35 صباحا
قراءة 4 دقائق
يتحدث الأخضر الإبراهيمي المبعوث السابق للأمم المتحدة، عن أخطار متزايدة لتحول سوريا الى الصوملة . التوقعات بهذا الخصوص لا تنم عن اجتهاد ذهني أو مجرد تشاؤم، بل إنها تعكس واقع الحال الذي آل اليه هذا البلد في الذكرى الرابعة للاحتجاجات التي وقعت فيه في سياق موجة ما يسمى "الربيع العربي" آنذاك . لا أحد الآن بإمكانه حصر التنظيمات التي تقاتل على الأرض السورية . فالأيام الأخيرة شهدت ولادة تنظيمات من نوع "المغاوير" و"أحرار حوران" و"كتائب الوفاء" في غوطة دمشق، ومع وجود العشرات من تنظيمات المعارضة المسلحة مختلفة المشارب، فهناك أعداد من التنظيمات تقاتل الى جانب النظام، وهي كما بات شائعاً تنظيمات غير سورية .
في هذه الأثناء تبرز ظواهر جديدة على الأرض السورية، مثل تنامي قوة الأكراد السوريين بعد تحرير كوباني (عين العرب) من قبضة تنظيم "داعش" الإرهابي . وهناك مواجهات ذات طابع عرقي تتم بين أكراد وأبناء قرى عربية . وهكذا الى العامل المناطقي ثم الطائفي، ها هو العامل العرقي يطل برأسه، ما يجعل الوضع في هذا البلد أسوأ وأشد تعقيداً ما هو عليه الوضع في الصومال، بالنظر الى توفر الأسلحة، والحدود البرية مع أربع دول . ومن قبل أمكن لتنظيم "داعش" رفع الحدود بين سوريا والعراق، كما أمكن تدفق مقاتلين وأسلحة من العراق للقتال في صفوف المعارضة أو النظام .
والصوملة لا تقتصر بطبيعة الحال على وجود التنظيمات المسلحة وعلى أعداد المقاتلين على الجانبين وكميات الأسلحة والذخيرة وأنواعها . . الى آخره، فمن المظاهر الأخرى لها حجم الدمار القائم، وملايين المشردين والنازحين خارج وطنهم وداخله، والأضرار الجسيمة في البنى التحتية، والتراجع المهول في الخدمات الاساسية من صحة وتعليم وإسكان ووسائل تنقل، والهبوط المريع في مستوى المعيشة الأغلبية السكان، والفقدان شبه التام للأمن في أغلبية المناطق . وحال "صومالي" كهذا لا تؤدي سوى لمزيد من التراجع، فالوضع السيئ اذا لم تتم معالجته ، فإنه يؤول الى ما هو أشد سوءاً، وهذه هي حال سوريا التي كانت مخزناً للقمح، وقبلة للسياحة، ومقصداً للتعليم، وجاذباً للاستثمار . علاوة على متانة موقعها الاستراتيجي في المعادلات الجيو سياسية . لقد انتهى الوضع بالصومال أن أصبحت دولة منسية ميؤوساً من شفائها، أما سوريا فإن حجمها الكبير مساحة وتعداد سكان وموقعها بين دولة الاحتلال وأطراف العراق وليس بعيداً عن شبه الجزيرة العربية، هو وحده من ينقذها من النسيان والتجاهل، لكن هذه العوامل نفسها تغذي أزمتها الداخلية الطاحنة، وتمدّها بوقود لا ينضب وقودها البشر والعمران والضرع والزرع . وهي عوامل تتفاعل مع معطيات ذاتية تغذي الأزمة من قبيل عمليات الكر والفر، والاستيلاء على مناطق والخروج منها وعمليات "التحرير" المتبادل، والاستيلاء على مخازن أسلحة وذخيرة، الى إنتاج المزيد من الأسلحة في الداخل من طرف المعارضة والنظام على حد سواء، وتجنيد أعداد متزايدة من الشبان والفتيان وزجّهم في هذه الدوامة الرهيبة .
وخلال أربع سنوات مضت جرى استهلاك العديد من المبادرات السياسية العربية والدولية ببراعة بما فيها المبادرة التي قادها الأخضر الإبراهيمي وقبله كوفي عنان، وكذلك إفشال جولتي جنيف لأول مباحثات بين النظام والمعارضة برعاية دولية، غير أن هذه البراعة في الإفلات من استحقاق التسوية الداخلية، لم تنقذ البلاد والعباد، ولم توقف الاستنزاف الشامل في مختلف المجالات، ولم تمنح النظام المنعة حيث أخذ اعتماده يتزايد على قوى مقاتلة من الخارج، وذلك تكراراً هو الوضع الصومالي مضاعفاً، حيث تنغلق أبواب الحلول، ويتم الاعتماد من قبل جميع الفرقاء على اللجوء الى استخدام القوة العارية، حتى لو أخذت في طريقها العمران والزرع وسائر مظاهر الحياة ومصادرها .
من اللافت حقاً أن المنظمات الدولية تعجز عن مواكبة حجم الخراب ورصده الذي يلحق بأوجه الحياة المختلفة، وذلك بالنظر إلى تواصل عمليات التدمير على مدى الساعة من دون هدنة تذكر، أو فسحة لالتقاط الأنفاس، ما يجعل مسألة حصر الأضرار شبه مستحيلة، وهو ما جعل مسؤولين دوليين يذهبون الى القول إن الكارثة السورية المتوالية فصولاً هي الكارثة الإنسانية الأكبر في عالمنا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، بالنظر الى أعداد الضحايا والمصابين والمشردين والمفقودين الذين يتزايدون كل يوم . ويزيد الأمر سوءاً حين لا يُتاح للمنظمات الإنسانية فرص التواجد والتحرك لإنقاذ السكان هنا وهناك، وحين يحتاح الأمر الى معجزة من أجل شق ممر إنساني ولو ليوم واحد، من أجل إيصال مساعدات للمنكوبين في هذه المنطقة أو تلك . . ويتساءل المرء هنا عن معنى الصمود والانتصار في ظل هذا الانحدار المستمر الى الهاوية، ومع اتضاح صورة العجز عن الحسم العسكري لأيّ من الفرقاء، في ظل وجود ميليشيات ومنظمات بل جيوش متناحرة لا تعدم وسائل التسلح من الداخل، أو من خلال أسواق الأسلحة، أو عبر الحدود، أو بإنتاج المزيد منها، وقد اكتسبت جميعها على مدى السنوات الثلاث الأخيرة خبرات متراكمة في فنون القتال والانتشار على مناطق جغرافية واسعة وصعبة المسالك، واستخدام مختلف أنواع الأسلحة من الأسلحة البيضاء الى السيارات المفخخة الى العمليات الانتحارية الى تصنيع الصواريخ وإطلاقها الى إلقاء البراميل المتفجرة الى إسقاط الطائرات الى القصف المدفعي، وسوى ذلك من خبرات قتالية تتمتع بها الجيوش .


محمود الريماوي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"