بسيفها وذهبها تقود أمريكا العالم

03:41 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

قبل سنوات طرح مركز هيرتيدج الأمريكي للأبحاث السياسية سؤالاً مهماً هو «لماذا يحتاجوننا»؟ الإشارة كانت إلى العالم الذي يحتاج إلى الولايات المتحدة. تعمد المركز الشهير ألا يسأل عما إذا كان العالم يحتاج بالفعل إلى أمريكا معتبراً أن تلك حقيقة بديهية مفروغ منها، وأن المنطق يفرض مناقشة أسباب حاجة العالم المحتمة والمستمرة إليها.
من دون أمريكا بأموالها وأسلحتها وتكنولوجيتها لم يكن لشمس الحضارة الغربية أن تشرق بنورها على العالم، ولهذا يحتاج الآخرون إليها. وتلك باختصار خلاصة الإجابة الطويلة التي قدمها المركز على سؤاله.
غير أن الأمر يحتاج إلى بعض التفصيل لكي نصل إلى نهاية رحلتنا التي بدأناها قبل أسبوعين في آفاق الفكر السياسي الأمريكي متلمسين طريقنا في دروب الآراء والنظريات التي يقدمها المفكرون السياسيون هناك بشأن علاقة بلدهم بالعالم، ومستقبل نفوذها في القرن الحادي والعشرين، وتأثير القيادة الأمريكية على البشرية جمعاء. وبعد رصد بعض من أهم ما قيل في هذه النقاط كان من الضروري التوقف قليلاً عند تصورهم عن مبررات احتياج العالم لبلادهم.
أحد كبار الصحفيين الأمريكيين، وهو روبرت كابلان، يفسر لماذا يلهث العالم وراء أمريكا أو يهابها بكلمتين فقط هما، السلاح والمال، أو كما يقول العرب، سيف المعز وماله. وهما معاً سر التفوق الأمريكي. بالنسبة للقوة العسكرية المدعومة دبلوماسياً يرى أنه بفضلها أنقذت أمريكا العالم من خمسة حروب كارثية على الأقل هي: الحرب بين الصين واليابان، وبين الصين وتايوان، والحرب بين والصين والهند، وبين الهند وباكستان، وأخيراً الحرب بين شطري كوريا.
بفضل القوة الأمريكية أيضاً تحققت إنجازات مهمة منها، منع المتطرفين من وقف إمدادات النفط إلى الغرب، ومنع روسيا من الهيمنة على أوروبا أو ابتلاع بولندا ورومانيا ودول البلطيق وجورجيا. ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، والحد من الفوضى والحروب في الشرق الأوسط. كل هذا أتاح للعالم الاستفادة من الاستقرار والسلام ما ساهم في تحسن النمو الاقتصادي وارتفاع مستويات المعيشة.
وإذا كان العالم قد غدا أكثر أمناً واستقراراً بفضل قوة أمريكا العسكرية فقد أصبح أيضاً أكثر رخاء وأقلّ بؤساً بفضل أموالها، وهذا ما يؤكده باحثو مركز «هيريتدج» في ردهم على السؤال الذي أشرنا إليه في البداية عن أسباب حاجة العالم إلى أمريكا. يؤمن المركز بأن مظاهر الإحسان الأمريكي على فقراء العالم وأغنيائه أكثر من أن تحصى. أوروبا نفسها تدين برفاهيتها واستقرارها للولايات المتحدة التي أعادت أعمارها عبر برنامج مارشال الشهير بعد الحرب العالمية الثانية.
ويقدم المركز مجموعة من الحقائق السريعة التي توضح فضل المال الأمريكي على البشرية، منها أن الولايات المتحدة هي أكبر مانح للمساعدات في العالم. وتبلغ قيمة المعونات الخارجية في ميزانية 2017 نحو 50 مليار دولار. وتساهم أمريكا بنحو 22% من ميزانية الأمم المتحدة، بما في ذلك برنامج الغذاء العالمي الذي يطعم 100 مليون إنسان. كما تساهم بنحو 17% من ميزانية اليونيسيف لرعاية وعلاج الأطفال و31% من ميزانية الأمم المتحدة لإعانة اللاجئين. وتبلغ المساهمة الأمريكية في ميزانية صندوق النقد والبنك الدوليين حوالي 17% و13% على الترتيب.
لا يمل الأمريكيون من تذكير العالم بهذه المساهمات الخيرية، ولا ينسون أن ينبهوا الآخرين إلى أنّ اقتصادهم هو الأقوى عالمياً، وأنهم ينفقون 40% من حجم الإنفاق العالمي على الأبحاث العلمية، وبالتالي فهم الأكثر ابتكاراً واختراعاً بما يفيد البشرية.
بعد ذلك يطرح المفكرون الأمريكيون سؤالاً يبقى معلقاً، وهو هل تلقى الولايات المتحدة تقديراً كافياً من العالم يناسب حجم العطاء الذي تقدمه؟. بمعنى آخر هل يشعر الآخرون بالامتنان لهذا الكرم الأمريكي الحاتمي، أم يقابلونه بالجحود والنكران؟. كثير من هؤلاء المفكرين يعتقدون أن الإجابة ربما تكون صادمة لشعبهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"