بعد ثلاثة عقود.. هل يتحقق «الحلم المغاربي»؟

03:18 صباحا
قراءة 4 دقائق
د.إدريس لكريني

قبل ثلاثين سنة (17 فبراير 1989)؛ عندما كان العالم يشهد تحولات كبرى تدعم التكتّل وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، اجتمع قادة الدول المغاربية الخمس (المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا) بمدينة مراكش، ووقعوا الاتفاقية المنشئة للاتحاد المغاربي.
لم تكن هذه الخطوة وعلى أهميتها القصوى معزولة أو مرتبطة بطموح آني، بل جاءت تتويجاً لجهود كبيرة راكمها رواد الحركات الوطنية في المنطقة إبان النضال والمقاومة ضد المستعمر قبل عقود عدة، فبالموازاة مع أولوية تحرير الدول المغاربية من قبضة الاستعمار الفرنسي والإسباني، كانت هناك رؤية مستقبلية ترنو إلى استثمار المشترك المغاربي في أبعاده الحضارية والاجتماعية والثقافية والتاريخية، لبناء تكتل واعد قادر على تلبية طموحات شعوب المنطقة.
مر أكثر من ربع قرن من الزمن على تأسيس الاتحاد، وبالرغم من الجهود الكبرى التي بذلت في أعقاب هذه المبادرة المهمة من حيث بناء مؤسسات الاتحاد، وخلق أجواء تفاؤلية في المنطقة نحو غد، فإن تحقيق هذا الحلم لم يتبلور على أرض الواقع، نتيجة عوامل ذاتية وأخرى خارجية، فرضها المحيطان الدولي والإقليمي.
منذ سنوات التسعينات من القرن الماضي، تزايدت أهمية التكتل في العالم، كما أن العولمة أسهمت في تذليل الكثير من العقبات السياسية، لتشجيع فتح الأسواق، وإلغاء التعرفة الجمركية وتعزيز حرية مرور البضائع والخدمات والمعلومات، ما أسهم بشكل ملحوظ في بروز منظمات إقليمية واعدة، حقّقت مكتسبات اقتصادية لأعضائها، سواء في إفريقيا وأوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، غير أن هذه الدينامية لم تصل بعد إلى المنطقة المغاربية التي ما زالت متخلفة عن الركب الاقتصادي العالمي، بالرغم من الإمكانات المتوفرة؛ حيث تعتبر هي الأقل اندماجاً على المستوى التجاري عالمياً.
إن ما يثير الاستغراب، هو حجم الهدر الذي تكابده الدول المغاربية مجتمعة على المستويات الاقتصادية والاستراتيجية والاجتماعية، بالرغم من وجود إمكانات بشرية واقتصادية وطبيعية ضخمة كفيلة بكسب عدد من المعارك التنموية الداخلية، والملفات الإقليمية والدولية.
تمتد البلدان المغاربية، ضمن مساحة شاسعة يطبعها التنوع (بحار وأنهار وغابات وصحاري ومناطق زراعية..)، وغنى الثروات الطبيعية (نفط وغاز وحديد وفوسفات وأسماك وحوامض..)، كما أن الهرم السكاني تغلب عليه فئة الشباب، فيما يبرز المشترك التاريخي والحضاري كأحد المقومات الداعمة لهذا التكتل، علاوة على المقبولية التي يحظى بها هذا البناء في أوساط المجتمعات المغاربية المعروفة بتنوعها الثقافي وتعدد روافد هوّيتها.
تقف الكثير من العوامل خلف تأجيل تحقق هذا الحلم المغاربي المشروع، سواء تعلق منها بتأرجح العلاقات المغربية- الجزائرية، أو دخول المنطقة في أزمات، كما هو الأمر بالنسبة للعشرية السوداء التي مرت بها الجزائر، أو تداعيات قضية «لوكربي» التي تكبدت فيها ليبيا خسائر اقتصادية ومعاناة إنسانية كبرى بسبب فرض الحصار عليها، أو تعلق الأمر بالوضع الراهن الذي تعيشه ليبيا.
ثمة إجماع على أن الاتحاد المغاربي، يعيش في الوقت الراهن ومنذ مدة، حالة من الجمود، وهي وضعية لا يمكن أن نحمّل المسؤولية فيها للاتحاد نفسه، طالما أنه يجسد إرادة الدول الأعضاء، وبخاصة أن الاتفاقية المنشئة له تمنح القرارات الحاسمة لمؤتمر القمة، فيما تتخذ القرارات بالإجماع بموجب هذه الأخيرة، الأمر الذي يحيل إلى أن المسؤولية تتقاسمها الأنظمة السياسية داخل الدول المغاربية بصورة جماعية، والتي يظهر أنها لم تستوعب بعد حجم التحديات الكبرى التي باتت تواجه الدول المغاربية مجتمعة، في ارتباطها بقضايا الأمن والهجرة والبيئة، والتعاون الاقتصادي مع الفضاء الأوروبي، وكلفة الخسائر التي تتحملها المنطقة وشعوبها نتيجة خيارات غير محسوبة وغير معقلنة.
فقد كشفت دراسة صادرة عن صندوق النقد الدولي، عن أن إجمالي الناتج المحلي المشترك للبلدان المغاربية كان بالإمكان أن يصل في حال تحقق الاندماج وإلى حدود عام 2017 حوالي 360 مليار دولار، وأن نصيب الفرد المغاربي من إجمالي الناتج المحلي الإقليمي، يمكن أن يصل إلى 4 آلاف دولار أمريكي.
إن الإشكالات الصعبة الراهنة التي تلقي بظلالها على الدول المغاربية مجتمعة، سواء ما تعلق منها بقضايا التنمية أو التعاون مع المحيطين الأوروبي والإفريقي، أو المخاطر المحدقة، والوضع الهش في ليبيا.. كلها عوامل تفرض طي الخلافات وتعزيز الشراكات التجارية والاقتصادية وتفعيل الاتفاقيات المبرمة في إطار الاتحاد.
قبل أيام شهد قصر البلدية في مراكش، وهو المبنى التاريخي الذي وقعت فيه اتفاقية مراكش، إحياء الذكرى الثلاثين لقيام الاتحاد المغاربي بتنظيم ندوة مغاربية كبرى من قبل منظمة العمل المغاربي (هيئة مدنية)، وبحضور الأمين العام لاتحاد المغرب العربي د.الطّيب البكوش، الذي أكد إمكانية بناء اتحاد مغاربي قوي منفتح على المستقبل، شريطة وجود رؤية تنبع من إصلاح مؤسساتي قانوني يتجاوز معيقات تفعيل هياكل وقرارات هذا الاتحاد، مبدياً تفاؤله إزاء مستقبل العلاقات بين الجارين المغرب والجزائر، ما سينعكس حتماً على مسار الاتحاد المغاربي.
وعلى امتداد أربع جلسات علمية، خلصت الندوة التي شارك فيها باحثون من المغرب وتونس والجزائر وليبيا وموريتانيا، إلى مجموعة من التوصيات، تركزت حول تأكيد أن الغياب الفعلي للاتحاد المغاربي، جرّد المنطقة من إمكانية الاستفادة الجماعية من الطاقات والقدرات المتاحة، كإحداث سوق مشتركة، والدعوة إلى ضخ دماء جديدة في الاتحاد عبر تشبيب هياكله، ودعمه (الاتحاد) بإمكانات كافية للاشتغال، وبكفاءات بشرية منفتحة على الواقع المعاصر، وإلى استثمار تاريخ المنطقة لإرساء هوية مشتركة داعمة للمغرب العربي الكبير، و إحداث مرصد مغاربي يعنى بالذاكرة المغاربية المشتركة.
كما دعا المشاركون إلى تقوية أواصر العلاقة والتواصل مع هيئات المجتمع المدني المغاربية، وإلى إعادة النظر في الاتفاقية المؤسسة للاتحاد ومراجعتها، بما يسهّل مراحل الاندماج المغاربي، وإلى إزالة الحواجز البين - تجارية، وبناء شراكات تكاملية في مختلفة الصناعات، كما طالبوا بفتح الحدود وتجاوز المعيقات السياسية لتعزيز الاقتصاد والأمن بالمنطقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"