بعض الأمل من «جنيف 4»

05:00 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم
محطات ومنعرجات خطرة مرّت بها الأزمة السورية، منذ لحظة اندلاعها، وحتى «جنيف4» الذي من المفترض أن ينعقد اليوم، حيث تنقلت من مكان إلى آخر، ومن مؤتمر إلى مؤتمر، من دون أي اختراق جدّي، يعيد الأمن والسلام لهذا البلد العربي، لا بل تصاعد الصراع أحياناً كثيرة إلى مستوى غير مسبوق، ورغم «جنيف 1»، و«جنيف 2»، و«جنيف 3»، وما دار في أستانة، إضافة إلى عشرات المبادرات التي سعى أصحابها لحل هذه الأزمة، أو على الأقل احتواء أضرارها، بالقدر الممكن، إلا أن نارها لم تخمد، بل تصاعدت لتبلغ مستويات خطرة، باتت تشكل خطورة على المنطقة كلها، بل طال شررها العالم بأسره، ولا سيما في ما يتعلق بأزمة اللاجئين التي شكلت أبرز الصور المأساوية في الأزمة السورية.
ومع أن مؤتمري «أستانة»، الأول والثاني، شكّلا نقلة نوعية مهمة، من حيث توصله إلى آلية لوقف إطلاق النار يأمل ضامنوها أن تشكل أرضية لحوار سياسي، إلا أن وقف النار ينتهك من هذا الطرف، أو ذاك، رغم ما شكّله من بارقة أمل للسوريين.
وأمام هذا الواقع القاتم يصبح السؤال المهم هو: هل ينجح «مؤتمر جنيف4» في إحداث اختراق فعلي يقود دفة الصراع نحو الحل؟
لا شك في أن هناك عوامل قد تدفع باتجاه التفاؤل حول إمكانية نجاح «جنيف4»، ولو في وضع الأزمة السورية على طريق الحل، لكن هذا الحل قد يستغرق وقتاً طويلاً، بسبب تعقيدات الأزمة، وامتداداتها الجيوسياسية الواسعة.
ولعل أبرز عوامل التفاؤل هنا هو القناعة التي تولدت لدى جميع الأطراف المتورطة في الأزمة بفشل الحل من خلال القوة، واستحالة حسم الموقف عسكرياً لهذا الطرف، أو ذاك، نظراً لتشابك خيوط اللعبة السورية، إقليمياً ودولياً.
لكن إصرار القوى الخارجية على دعم حلفائها على الأرض، يعقد المشهد العسكري، ويغذي الصراع باستمرار، خاصة أن الساحة السورية، بدت مؤخراً كأنها منصة لتصفية حسابات بين العديد من القوى الإقليمية، والدولية، إلا أن ذلك لا يلغي أبداً أن أطراف الأزمة، الإقليميين والدوليين، باتوا يدركون أن ما يفعلونه لن ينجز حلاً عسكرياً، ولا بد من الحل السياسي في تحقيق تسوية شاملة، بسبب ترابط الأزمة السورية، مع ملفات كثيرة في المنطقة، وتأثيراتها السلبية في استقرار المنطقة كلها. ورغم رهان الأطراف المختلفة الداخلية والخارجية على الحسم العسكري، خلال السنوات الست السابقة، لفرض الطرف المنتصر رؤيته لشكل الحل السياسي، إلا أنها فشلت جميعاً، وظلت الأزمة في حالة «اللا حسم». كما أن تعقيدات الأزمة وكثرة أطرافها، واحتمالات خروجها عن السيطرة، وتجازوها الحدود السورية إلى أبعد من ذلك بكثير، هي ما باتت تنذر بأوضاع كارثية، إذا لم تتم المسارعة لاحتواء الأزمة التي تعد من أخطر الأزمات التي تواجه العالم حالياً.
كما أن التغير الملحوظ في ميزان القوى على الأرض لمصلحة الجيش السوري بعد تدخل روسيا عسكرياً، أجبر المعارضة على القبول بالأمر الواقع، وهكذا يمكن القول إن تغير ميزان القوى، فتح الباب أمام التسوية السياسية، خاصة بعد أن أدرك العالم أن أي مواجهة للإرهاب لن تكون مجدية قبل حل الصراع المسلح في سوريا.
زدْ على ذلك أن روسيا التي تعد أقوى داعمي النظام السوري، لا تريد الوقوع في فخ المستنقع السوري، الذي يعد أخطر ما تواجهه موسكو منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، حيث تسجل تكلفة التدخل العسكري الروسي في سوريا تزايداً مستمراً، وتقترب من سبعمئة مليون دولار، حسب تقديرات بعض الخبراء، في حين أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أواخر العام الماضي أن التكلفة بلغت 460 مليون دولار.
وإذا أضفنا كل هذا إلى الموقف الأمريكي المتصلب تجاه الإرهاب، ووضع ذلك أولوية له، حتى بالتعاون مع روسيا، يكون الجانبان الأقوى في المعادلة السورية، قد اقتنعا بضرورة التنسيق بينهما لاحتواء أزمة باتت تتدحرج ككرة النار من مكان إلى آخر، وهو ما يجعل من التفاؤل بنتائج «جنيف4» أمراً مقبولاً، ولكن من دون المبالغة في الآمال كثيراً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"