بين عامين.. آلام وآمال

02:22 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود حسونة

نودع عاماً ونستقبل آخر، ويمر بنا الزمن مخلفاً بداخلنا الأحزان والأفراح؛ الإنجازات والإحباطات.. هكذا هي الأيام وهذه سنة الحياة التي لا نمتلك إلا أن نتقبل حلوها ومرها، وإن كان هذا لا ينفي السعي الدؤوب لجعل الحلو فيها أكبر، وهو ما لن يتحقق إلا بمزيد من العمل والكد والتسلح بقيم التسامح وقبول الآخر، وإدراك أن الدنيا تتسع لنا جميعاً، وأن نجاح أحدنا لن يكون أبداً على حساب الآخرين.
لو أننا جميعاً أدركنا أن هذا الكوكب فيه مساحات لازالت شاغرة، وفيه فرص لم تأت بعدُ وموارد لم تُكتشف، وفيه مجالات تحتاج الكثير حتى نسبر أغوارها، وفيه خبرات تبحث عمن يستفيد منها، وشباب لديه الاستعداد للبذل والعطاء حتى يحقق ذاته، لو أدركنا كل ذلك لتحولت الأرض إلى كوكب سلام وأمان وطمأنينة، ولوثق كل منا بالآخرين وعشنا حياة تندر فيها الإحباطات والخيبات والمؤمرات والصراعات.
من حق البعض أن يرى أن هذا مجرد كلام نظري ليست له علاقة بالواقع الذي نعيشه، خصوصاً أن عالمنا أصبح يضج بالصراعات والمؤامرات، وأصبح كوكبنا يئن من تجاوزات البشر، وكادت الطبيعة أن تكشر عن أنيابها بعد أن ملأنا الأرض والفضاء تلوثاً، وصرخ الحجر من اعتداءاتنا عليه، وتألم الشجر من سمومنا واحترقت الغابات من لهيبنا، وتلوثت المياه من أفعالنا.
جرائمنا بحق الأرض والفضاء تزداد عاماً بعد عام، ولم تنجح لا مؤسسات دولية ولا هيئات مجتمع مدني ولا مبادرات فردية، في أن تستفزنا لفعل شيء لوقف التغيرات المناخية التي طالت الأرض من أقصاها إلى أقصاها، وغيرت ملامح الأشهر والفصول ليختلط الشتاء بالصيف والخريف بالربيع من دون ملامح فاصلة، كما لم تنجح المؤتمرات التي تعقد شرقاً وغرباً في أن توقظ ضمائر قادة العالم وتستنفرهم وتستنفرنا، لترك شيء تترحم به عليهم وعلينا الأجيال المقبلة.
وصل ثاني أكسيد الكربون إلى أعلى معدل له خلال مليون عام حسب دراسات علمية، وأصبح الهواء مشبعاً بما يقضي على حيوات بشر وحيوانات ونباتات؛ كائنات حية تنقرض وطبيعة تتخلخل، والمجمد يذوب، وارتفاع منسوب مياه البحر يهدد مدناً ودولاً. وهناك جزر كانت مراكز جذب وأيقونة جمال يحصى ما تبقى من عمرها عدداً، وفيضانات وزلازل وحرائق وتسونامي وكوارث سمعنا عنها، وأخرى لم يسبق ذكرها تهدد كوكبنا. كل ذلك يحدث وأباطرة القرار منقسمون، وربيب العالم ينسحب من اتفاقيات المناخ ويرى في الاحتباس الحراري كلاماً فارغاً، ورجال العلم يصرخون محذرين من القادم، مؤكدين أن التغير المناخي سيكون التحدي الأكبر، ولكن قادة الحكم والقرار يصمون آذانهم ويغمضون أعينهم ولا يتحدثون إلا بما يزيد الناس قلقاً وخوفاً.
عام 2019 ليس استثناء مما سبقه من أعوام؛ بل مجرد رقم في رزنامة الزمن، يكمل تعداد الأيام والأشهر التي تشهد على ارتكاباتنا بحق بعضنا وبحق كوكبنا وبحق المستقبل وأبنائه.
وعلى أجندة أيام العام الذي يودعنا، الكثير من الأحداث التي زادتنا ألماً، وخصوصاً في منطقتنا العربية التي تزداد تشرذماً وتفتتاً وضياعاً. صرخات الغضب تزلزل عواصم عربية تضاف إلى العواصم والدول التي دمرها، ولا يزال، الغضب المبرر وغير المبرر منذ عام 2010، والذي تدفع ثمنه المنطقة بكاملها، وليس فقط دول «الخريف»، حتى اليوم، وعلى الرغم من أن تجارب تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن والعراق، لم تحل إلى كتب التاريخ، ولا زالت مشاهدها حاضرة في أذهاننا، ومتجددة أمام عيوننا، فإن أصحاب القرار في دول أخرى لم يتعظوا من الدرس ولم يقرأوا المشهد، ليتجدد في السودان والجزائر ولبنان والعراق، ولعل نهاية أحداث السودان والجزائر تجدد فينا الأمل، حال مواصلتها السير في نفس الدرب وقطع الطريق أمام تجار الدين وباعة الأوطان، إلا أن مستقبل لبنان والعراق لم تظهر ملامحه في ظل ملوك الطوائف المتحكمين في مصير البلاد وتجاهل مطالب وآلام العباد.
حال كوكبنا يؤلمنا، وحال أمتنا يُبكينا، وحال العالم من حولنا يُقلقنا، ونستقبل عاماً جديداً نتمناه عام آمال، لا مجرد رقم في تاريخنا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"