تباين فرنسي أمريكي حول سوريا

03:11 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. غسان العزي

في مساء العشرين من الشهر الجاري ألقى كل من الرئيسين الفرنسي والأمريكي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي وقت سيطرت فيه الأزمة السورية على الخطابات واللقاءات كان من اللافت ألا تحتل هذه الأزمة حيزاً مهماً في كلمة باراك أوباما رغم أنها غطت ولايتيه الرئاسيتين تقريباً. طال خطاب الرجل نحو الخمسين دقيقة، بدل العشرين المقررة لكل متدخل، لم يقل فيهما عن سوريا سوى أن «النصر العسكري مستحيل ويجب متابعة العمل الدبلوماسي الصعب»، وهذا ما يعرفه الجميع ومنذ وقت طويل.
من جهته تميّز الرئيس الفرنسي هولاند بالتركيز على هذه الأزمة بعبارات مباشرة واضحة، داعياً إلى «إنهاء هذه المأساة التي تبقى عاراً على جبين المجموعة الدولية». لكن المشكلة أن هذه ليست سوى كلمات ، فالرئيس الفرنسي لا يستطيع شيئاً من الناحية العملية بالمقارنة مع نظيره الأمريكي الذي يتربع على رأس القوة الأعظم في العالم، والذي امتنع طوال مكوثه الطويل في البيت الأبيض، عن التدخل العملي في سوريا رغم امتلاكه للكثير من وسائل الضغط من أجل فرض وقف لإطلاق النار والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى من يحتاجها، وهي شروط لا بد منها لإطلاق مفاوضات الحل السياسي.
يعلّق أحد الدبلوماسيين الغربيين على خطاب أوباما بالقول إن سكوته كان «رناناً» في وقت يبدو فيه المأزق السوري كاملاً. قبل أربعة أشهر من مغادرته البيت الأبيض اختار الحائز جائزة نوبل للسلام في عام ٢٠٠٩ الانكفاء عن «الحدث المباشر» كما لو أنه لم يعد منذ اللحظة قائداً للدولة الأعظم، فألقى خطاباً للتاريخ، كان أشبه بمحاضرة جامعية، عن الديمقراطية والمجتمع المفتوح والعالم الأقل عنفاً والأكثر ازدهاراً. وبالطبع لم ينس أوباما التوقف عند نجاحاته الدبلوماسية مثل الاتفاق النووي مع إيران وتطبيع العلاقات مع كوبا، من دون أن يتوقف عند إخفاقاته الكبرى في الشرق الأوسط وفشله الذريع في الملف الفلسطيني- «الإسرائيلي». جملة واحدة فقط استحقها منه هذا الملف وهي دعوة الفلسطينيين إلى «رفض الدعوات إلى الحقد والاعتراف بالدولة اليهودية» و«إسرائيل» إلى «أن تفهم بأنها لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية في احتلال الأراضي الفلسطينية»، هذا بعد ساعات قليلة على توقيعه لحزمة من المساعدات ل«إسرائيل» تزيد قيمتها على ٣٨ مليار دولار.
طال خطاب أوباما ربما لأنها المرة الأخيرة التي يخطب فيها كرئيس على المنبر الأممي. فرانسوا هولاند بدوره يخطب للمرة الأخيرة فهو في نهاية ولايته الرئاسية الأولى والتي على الأرجح أن تكون الأخيرة بحسب كل استطلاعات الرأي في فرنسا. لكنه بدا وكأنه في ذروة عمله الرئاسي وليس نهايته، ربما لأنه لم يفقد الأمل في الفوز في الانتخابات الرئاسية في ربيع العام المقبل. تكلم عن التحديات الكبرى مثل التغير المناخي وضرورة تنفيذ اتفاقات باريس ، لكنه ركّز على «أهوال الحرب السورية» و«حلب الشهيدة» . وانتقد دعم موسكو لدمشق في كل ما تفعل «رغم ذلك فإن من مصلحة روسيا أن تضغط على النظام السوري لأن دعمها له لن يسمح لها بالاستحواذ على سوريا ، ولكن بتسريع تقسيمها وإحداث فوضى أكبر وأكبر»، كما أضاف.
المشكلة أن فرنسا لم تعد قوة عظمى بل متوسطة، بحسب التوصيف الشهير للرئيس الأسبق جيسكار ديستان. ودبلوماسيتها التي عادت وأكدت على ما ورد في خطاب هولاند لم يستمع إليها أحد في جلسة مجلس الأمن المخصصة لسوريا في ٢٢ من الشهر الجاري والتي انتهت إلى فشل ذريع. وقبل ذلك بيومين اجتمعت في إحدى قاعات نيويورك المجموعة الدولية لدعم سوريا والتي تأسست في فيينا في نوفمبر/‏تشرين الثاني الماضي تحت رعاية موسكو وواشنطن ، بهدف إطلاق مفاوضات الحل السلمي. في هذا الاجتماع «كان الجو دراماتيكياً وثقيلاً» ، كما عبر وزير الخارجية الفرنسي جان - مارك ايرولت. «إنها الأمم المتحدة التي قُصفت ولكن لم يكن لذلك أي ردود فعل.
لقد كشف خطابا أوباما وهولاند تبايناً فرنسياً- أمريكياً واضحاً في مقاربة الحرب السورية، يضاف إلى التباين الأوروبي -الأوربي، وهذا ليس من شأنه إلا إطالة أمد هذه الحرب التي يبدو واضحاً بأنها لن تعرف نهاية قبل مغادرة أوباما البيت الأبيض.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"