تحول سياسي أطلقته “عاصفة الحزم”

02:18 صباحا
قراءة 4 دقائق

محمود الريماوي

تقترب "عاصفة الحزم" بعد أيام من بلوغ شهرها الأول، وقد حققت جملة من الأهداف النوعية في مقدمها الإجماع العالمي على تأييد هذه الحملة العسكرية ضد فئة في اليمن سعت إلى زعزعة استقرار منطقة حساسة في العالم وتهديد دول الجوار، وانقلبت على الشرعية في بلدها وعلى إرادة شعبها، وقد تبدى هذا الإجماع على الخصوص في القرار رقم 2016 الصادر عن مجلس الأمن والذي مثّل انتصاراً دبلوماسياً كاسحاً للحملة العسكرية، وحرم الانقلابيين ومن عاضدهم من أي غطاء أو دعم من أي طرف ذي شأن ووزن في العالم، ومنح غطاء سياسياً وقانونياً ودبلوماسياً لحرب "عاصفة الحزم" التي واصلت أداءها بكفاءة ممتازة وحرفية عالية، وإلى جانب هذا الهدف النوعي فقد تحققت نتيجة أخرى غاية في الأهمية، وهي أن الولايات المتحدة باتت تعترف بالخطر الذي يشكله التمدد الإيراني على دول المنطقة، وهو ما تنبىء عنه التصريحات المتواترة في الأسابيع الأخيرة للرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري، الذي لم يتوان عن القول إن بلاده "لن تقف مكتوفة الأيدي" إزاء هذا التمدد . وكانت واشنطن قد قصرت نشاطاتها العسكرية وحملاتها السياسية والدبلوماسية خلال العامين الماضيين ضد ظاهرة الجهاديين المتطرفين وبالأخص تنظيم "داعش" الإرهابي، ولم تُبدِ خلال ذلك كبير اهتمام موازٍ بظاهرة التمدد الإيراني وهو ما أثار فجوة بينها وبين عدد من دول المنطقة .
لقد كان من شأن "عاصفة الحزم" تقريب المواقف مع الدولة العظمى، تشهد على ذلك المواقف المتواترة التي تمحورت منذ بدء الحملة العسكرية حول التأييد الأمريكي لهذه الحملة، بعدما أدركت واشنطن أنه لم يكن أمام دول الخليج ومعها العدد الأكبر من الدول العربية من خيار آخر، سوى مواجهة الانقلابيين الحوثيين الذين ينفذون أجندة إقليمية، ما أدى عملياً إلى مراجعة أمريكية سريعة للموقف، وإلى تفّهم الخيار الخليجي العربي واحترامه، ومحضه التأييد بما في ذلك تقديم ما يلزم من أوجه التعاون، والاتصالات المتكررة من طرف الرئيس أوباما بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز تصب في هذا الإطار، وكذلك اللقاء المزمع بين الرئيس الأمريكي وقادة الخليج المقرر انعقاده بعد نحو ثلاثة اسابيع والذي يعزز الشراكة الاستراتيجية في مجال الأمن كما أوضح الرئيس أوباما نفسه، بما يدلل على التغير في الموقف الأمريكي، ولعل هذا التغير ما كان ليتمّ وعلى هذه الدرجة من الوضوح والحسم، وكذلك على هذا المستوى من السرعة، لولا قيام الحملة العسكرية الاضطرارية .
وهكذا فقد كان من شأن اندلاع "عاصفة الحزم" أن فتحت عيون الكثيرين ومداركهم على الوضع الحساس في المنطقة، والذي كان يلامس خطوطاً حمر في الأمن الاستراتيجي، بعد أن ذهب طرف إقليمي بعيداً في مطامحه التوسعية، وفي تجنيد أذرع وأدوات بل "جيوش محلية" لزعزعة أمن المنطقة، وللمَسّ بسيادة الدول وبالإرادة الحرة للشعوب . ولم يقتصر أمر المراجعة على الدول العظمى، بل إن مسؤولين في المنطقة عُرف عنهم الارتباط الوثيق بطهران، باتوا يعترفون بصورة أو بأخرى، مباشرة أو مداورة بهذه المخاطر الإقليمية، وجاءت تصريحات رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، وتصريحات أخرى له قبل قيامه بهذه الزيارة، حول سيادة العراق ورفض المساس بها، ومسؤولية الحكومة العراقية منفردة في السيطرة على الوضع الداخلي، لتندرج في سياق الاعتراف الضمني بالتدخلات الخارجية في بلاده، وبالمطامح التي لا يحدّها حد للطرف الإقليمي الذي يجاور بلاد الرافدين . كما تمثل هذه المواقف الجديدة ما اعترى البيئة السياسية المحيطة من تغير في الرؤى والأهداف، بعدما ثبت أن الطرف الإقليمي عينه ليس مطلق اليدين في تمدده، وبسط نفوذه وتجنيد أدوات له .
وإذ حققت حملة "عاصفة الحزم" شطراً كبيراً من أهدافها، بكسر سطوة الانقلابيين وتشتيت قواهم ومراكزهم، ورفع أيديهم عن الشعب العربي اليمني، فإنه لابد وعلى طريق بلوغ بقية النتائج من بلورة الأهداف السياسية بمزيد من الوضوح، والإعلان عن أن هذه الحرب ستتوقف ما أن يتوفر وضع يُقرّ فيه الانقلابيون باستعدادهم لتسليم كافة الأسلحة والمعسكرات، وإعادة مقتنيات الدولة وأملاك الشعب المنهوبة، وإعلان ولائهم للدولة والشرعية، والقبول باقتصار وجودهم على تنظيم حزبي غير مسلح، بما يبسط الأمن والسلام في ربوع اليمن، ويضع حداً نهائياً لتهديد الفئة الحوثية المارقة، ويؤذن بإعادة بناء الجيش اليمني على أسس وطنية ومهنية سليمة .
من الطبيعي أن تثير الحروب المخاوف على سلامة المدنيين والمرافق المدنية، وقد لوحظ كيف أن الفئة الانقلابية حاولت استدراج الحملة العسكرية للمساس بأهداف مدنية، بل إن هذه الفئة لم تتورع عن استهداف المدنيين والمرافق المدنية غير مرة في عدن وفي مناطق جنوبية أخرى، فضلاً عن الاشتباكات مع قوى قبلية عديدة رافضة للانقلاب في مناطق مختلفة من شمالي البلاد . ومن أجل المزيد من طمأنة المدنيين، لا بد من توضيح الرسالة السياسية للحملة، والعمل ما أمكن ذلك على تقصير أمد الحملة متى ما أبدى الانقلابيون اعترافاً كاملاً بهزيمة مشروعهم الانقلابي، واستعدادهم التام لإنهاء وجودهم المسلح .
والأمل كبير بتقصير معاناة اليمنيين، والعزم ثابت كما هو واضح وجلي على تخليصهم من الظاهرة الحزبية المسلحة الشاذة بالسرعة الممكنة، بما يفتح الباب على مصراعيه أمام حلول سياسية جديّة تعيد الشرعية وولاية الدولة على البلاد .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"