ترامب الجديد

04:21 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق
ثلاث مفاجآت مهمة حفلت بها كلمة المرشح الجمهوري الأمريكي دونالد ترامب في ولاية نورث كارولاينا الأسبوع الماضي. الأولى كانت التزامه بنص مكتوب متخلياً بذلك عن هواية الارتجال التي كادت تدمر فرصه بسبب هفواته وزلات لسانه الكثيرة. الثانية أنه لم يكن لكلمته ضحايا هذه المرة، فلم يوجه إساءة شخصية لأحد ، وهي أيضاً هواية خبيثة دفع هو شخصياً ثمناً فادحاً لها ربما أكثر من ضحاياه. المفاجأة الثالثة والأهم هي أسفه لما وصفه «بالكلمات القاسية» و«الأشياء الخاطئة» التي أفلتت منه خلال ما اعتبره مناقشات حامية تخللت الحملة الانتخابية.
قبل هذا التحول الدرامي في خطابه ولهجته أجرى ترامب تعديلات جوهرية في حملته الانتخابية شملت الإطاحة بمديرها بول مانافورت الذي سبب وجوده إحراجاً دائماً له لعلاقته بحزب أوكراني موال لروسيا. واكب هذا التغيير تطور آخر هو محاولة التقرب من السود والمهاجرين اللاتينيين خاصة المكسيكيين وهم ممن ناصبهم العداء منذ بداية حملته بلا مبرر. باختصار بدأ ترامب محاولة شاقة لإصلاح ما أفسده بنفسه بسبب كلماته الجارحة واندفاعاته الانفعالية وبياناته غير الصادقة. هذا التحول دفع مجلة واشنطن اكسماينر للقول إن ما نراه الآن هو ترامب الجديد.
غير أن الغالبية العظمى من القادة الجمهوريين ووسائل الإعلام المحايدة لم تذهب إلى هذا المدى في نظرتها إلى ما فعله المرشح الجمهوري. السبب بالطبع هو تقلباته الكثيرة السابقة وشكوكها بشأن ما يحدث وهل هو اعتدال انفعالي سيكتب له الدوام أم مجرد نوبة تعقل مؤقتة تعقبها عاصفة طائشة جديدة.
ترامب القديم وليس الجديد إذاً هو الشخص الذي مازال حاضراً بقوة في وعي أغلب الأمريكيين من خصومه وحلفائه على السواء. ولم ير قادة حزبه في تصريحاته الأخيرة ما يبدد قلقهم ويعالج تحفظاتهم، خاصة وأنه لم يطرح حتى الآن برنامجاً متكاملاً يوضح رؤيته في التعامل مع التحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية على نحو ما فعلت منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، وكما يفعل دائماً كل المرشحين الرئاسيين.
الإعلام الأمريكي قال ما تحرج الجمهوريون من التصريح به لاعتبارات سياسية مفهومة.
موقع وصحيفة بوليتيكو اعتبرا أن اعتذاره تأخر 107 أيام أي منذ بداية المرحلة الحاسمة في صراعه على نيل ترشيح الحزب وحتى إلقاء كلمته الأخيرة. أما جون كاسيدي المحلل السياسي في مجلة نيويوركر فقد رفض من الأساس اعتبار ما قاله ترامب نوعاً من الاعتذار لأن الأسف لا يرقى لمستوى الاعتذار. كما أن كلماته لا ترضي الأشخاص الذين أساء إليهم. فضلاً عن أن إساءاته كانت متعمدة وتكررت ولم تكن نتيجة زلات لسان أو خلال مناقشات حامية.
عن الأمر نفسه خصصت واشنطن بوست افتتاحيتها التي تساءلت في عنوانها عن أي بيانات خاطئة بالضبط يعتذر ترامب. شملت الافتتاحية الناطقة باسم الصحيفة العريقة حصراً شاملاً بالإساءات التي وجهها ترامب إلى خصومه وغيرهم، وبياناً بالكثير من المعلومات الخاطئة التي روج لها. حملت الصحيفة بقوة وقسوة على المرشح الجمهوري معتبرة أن كلماته الاعتذارية لن تمحو الكراهية التي ذرعها في النفوس، ولن تصلح ما أفسده بلسانه بما في ذلك الإضرار بصورته هو شخصياً. واستبعدت الصحيفة تماماً أن تكون تصريحاته التصالحية بداية جديدة له، أو تحولاً في سلوكه العدواني الذي توقعت أن يستمر حتى في حالة وصوله إلى البيت الأبيض.
الأيام المقبلة هي التي ستكشف عن طبيعة وجدية التحولات في شخصية المرشح الجمهوري وفي خطابه السياسي، وهي التحولات التي يحاول تسويقها للرأي العام. المؤكد حالياً أن الموقف الصعب الذي وجد نفسه فيه هو ما أجبره على تلك التغييرات. ذلك أن استطلاعات الرأي تظهر احتفاظ هيلاري بتقدمها عليه حتى في بعض معاقل الجمهوريين التقليدية مثل جورجيا التي صوتت للمرشح الجمهوري في سبع من آخر ثماني انتخابات رئاسية. وهناك أيضا الانقسام داخل المعسكر الجمهوري الذي أحدثه ترامب بمواقفه وكلماته وأدائه إلى الحد الذي أصبح فيه الكثير من كوادر الحزب وشخصياته البارزة يجاهر بموقفه الرافض لدعمه، بل يحذر علنا من انتخابه، وتلك كارثة حزبية بكل المقاييس. كل ذلك يقلق ترامب ويقلقه أكثر خسارته بلا مبرر لكتل تصويتية ضخمة مثل السود والمهاجرين فضلاً عن المسلمين بطبيعة الحال.
قبل نحو شهرين فقط من الانتخابات كان لا بد لترامب أن يتصرف سريعاً لإنقاذ نفسه وإعادة تدشين صورته الانتخابية، وهذا تحول إيجابي غير أنه ربما يكون جاء متأخراً جداً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"