تسويق الوهم

03:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

الخطة الأمريكية، ليست سوى محاولة لإعادة القضية الفلسطينية عشرات السنين إلى الوراء، إن لم نقل وأدها تماماً، لصالح المشروع الاحتلالي العنصري الصهيوني.
في مقابلة مع صحيفة «جيروزاليم بوست» العبرية، في التاسع والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، أكد السفير الأمريكي في «إسرائيل» ديفيد فريدمان، أن خطة السلام الأمريكية، أو ما تعرف ب«صفقة القرن» سيتم الإعلان عنها قبل نهاية العام الجاري.
ونقلت الصحيفة عنه قوله: «إنه واثق تماماً من أنه سيتم الإعلان عنها في 2019.. إننا قريبون جداً من خط النهاية».
مثل هذه التصريحات ليست الأولى التي يتداولها المسؤولون «الإسرائيليون» أو الأمريكيون، حول هذه الخطة، التي لا تزال تفاصيلها غير واضحة، رغم الكثير من التسريبات الصحفية، التي تؤكد أنها لا تعدو كونها محاولة أمريكية، لتصفية القضية الفلسطينية، وفق المصالح والرؤى «الإسرائيلية»، وأنها مجرد محاولة لإعادة القضية الفلسطينية، إلى قضية لاجئين، أو قضية إنسانية، تسعى واشنطن لحلها، عبر مكرمات سخية تغدق بها على الشعب الفلسطيني، لمساعدته في تحسين أحواله المعيشية، متجاهلة البعد السياسي لهذه القضية، التي تمثل جريمة تاريخية كبرى ارتكبتها القوى الغربية الاستعمارية بالتحالف مع الحركة الصهيونية، تم خلالها اقتلاع شعب من أرض آبائه وأجداده، لصالح المشروع الاستعماري العنصري «الإسرائيلي».
وبغض النظر عن التصريحات حول موعد إطلاق هذه الخطة، وتضارب الآراء حولها، وما يمكن أن تأتي به من جديد، لو كان فيها أي جديد أصلاً، فإن أحداً لا يستطيع أن ينكر أن هذه الإدارة الأمريكية الحالية التي تمثل اليمين المتطرف، تعد من أكثر الإدارات الأمريكية تطابقاً مع المصالح «الإسرائيلية»، وبالتالي فمن الحماقة توقع أي نتائج إيجابية للجهود الأمريكية، لأنها تتجاهل البعد القومي والسياسي لهذه الكارثة التي حلت بالشعب الفلسطيني، وكأن ما جرى في فلسطين عام 1948 كارثة طبيعية، كالزلازل أو الفيضانات، أو غيرها من كوارث الطبيعة، وهو ما رفضه الشعب الفلسطيني طوال سنوات الصراع، وترجمه رفضاً ومقاومة شعبية ومسلحة للاحتلال كلفته مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى. ولو تمعنا في ما سرب من معلومات عن الخطة الأمريكية، لوجدنا أنها تستبعد تماماً أبسط القواعد التي قامت عليها عملية التسوية في المنطقة، وهي الانسحاب «الإسرائيلي» الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية، وهو سبب كاف لرفض الشعب الفلسطيني لها، رغم ما تم تقديمه من تنازلات كبيرة، وهو ما تدركه الإدارة الأمريكية جيداً، حيث يجيب السفير فريدمان حول السبب الذي يجعل الإدارة الأمريكية تقدم مثل هذه الخطة من الأساس في ظل الرفض الفلسطيني المسبق لها، قائلاً: «إنه ليس متشائماً بشأن رد الفعل الفلسطيني رغم أن إدارته مستعدة لذلك الاحتمال»، مضيفاً أن العالم متعطش لمقترح يقدم حلاً واقعياً للصراع المستمر منذ مئة عام أو أكثر.
ولو عدنا إلى تصريحات سابقة أدلى بها مستشار الرئيس الأمريكي ومبعوثه للشرق الأوسط، جاريد كوشنر، بأن الخطة الأمريكية تركز على أربعة مبادئ، أولها الحرية، لينعم الجميع بحرية الفرص والدين والعبادة بغض النظر عن معتقداتهم، بالإضافة إلى الاحترام، لتكون كرامة الناس مصانة ولكي يحترموا بعضهم بعضاً، ويستفيدوا من الفرص المتاحة لتحسين حياتهم دون السماح لنزاعات الأجداد باختطاف مستقبل أبنائهم، فضلًا عن تركيز الخطة على الأمن.
نلاحظ بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الخطة الأمريكية، ليست سوى محاولة لإعادة القضية الفلسطينية عشرات السنين إلى الوراء، إن لم نقل وأدها تماماً، لصالح المشروع الاحتلالي العنصري الصهيوني.
حيث يطالب كوشنير «الشعبين» الفلسطيني و«الإسرائيلي» بتقديم ما سمّاه تنازلات، تفضي إلى استفادة الشعب الفلسطيني من قدراته الكاملة، واندماج «الشعب الإسرائيلي» في المنطقة بأكملها، وهو أمر لا يحتاج إلى الكثير من التحليل لفهم المعاني التي يحملها، لا سيما في ظل إصرار الإدارة الأمريكية على تجاهل الحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني، والتركيز فقط على الجوانب الاقتصادية باعتبارها ستأتي بالعسل واللبن لشعوب المنطقة كلها، حيث يزعم كوشنير أن الأثر الاقتصادي للخطة لن يقتصر على الأمريكيين و«الإسرائيليين» والفلسطينيين فقط، ولكن سيشمل المنطقة برمتها، بما في ذلك الأردن ومصر ولبنان، وان إحلال السلام يمكن أن يضمن التدفق الحر للناس وللسلع، ما يؤدي إلى إيجاد فرص كثيرة، كما هو الحال في سنغافورة واليابان وبولندا، على حد تعبير المسؤول الأمريكي، الذي يبدو مع غيره من المسؤولين الأمريكيين، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كمن يبيع الوهم، تحت يافطة اسمها السلام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"