تطور تشريعي ينتصر للنساء والمجتمع

03:16 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

حققت المرأة الأردنية مؤخراً انتصاراً تشريعياً، يحسب لها وللمجتمع ككل، بإلغاء مادة مثيرة للجدل من قانون العقوبات الأردني، وقد باتت هذه المادة معروفة برقمها وهو (308). منظمات حقوقية ومدنية وشخصيات عامة، واظبت، خلال الأعوام الماضية، على المطالبة بإلغاء هذه المادة، التي تتضمن عدة بنود من أهمها إعفاء مغتصب الأنثى من العقوبة في حال زواجه من ضحيته. والاعتراضات التي ثارت على المادة تتمحور حول التمسك بسيادة القانون ورفض تجزئته.
وواقع الحال أن هذه المادة كانت تبيح لمن يرغب بالزواج من فتاة ما، وعلى غير رغبة منها، أن يُقدم على اغتصابها، وأن يستغل الحرج البالغ الواقع عليها بعرض تسوية (لتدارك الخطأ!)؛ وذلك بعقد قرانه عليها. وبهذا فإن المغتصب كان يُكافأ مرتين، مرة بإعفائه من العقوبة، ومرة ثانية بزواجه من ضحيته؛ وحيث يبدو في هذه الحالة رجلاً صالحاً وشهماً و.. فاعل خير!.
ويسترعي الانتباه أن مجلس النواب الأردني سبق أن رفض إلغاء المادة، وطالب بفتح الباب أمام تعديلها، بادعاء أن المجتمع «غير جاهز» لتقبل هذه الخطوة (الإلغاء)، وهو ما اعتبرته شخصيات عامة وممثلون لمنظمات المجتمع المدني «انتقاصاً غير مقبول من تحضر شعبنا وسمو أخلاقه». وكانت لجنة ملكية لتطوير القضاء قد أوصت بإلغاء هذه المادة؛ لما فيها من «إجحاف بمنظومة العدالة الجنائية؛ ولتعارضها مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان».
إلغاء هذه المادة يعني أن الجاني سوف ينال عقوبته، حتى لو أبدى استعداده للزواج من ضحيته، ولو شاطرته الضحية الاستعداد للزواج. وهي عقوبة تنتصر لكرامة الضحية، ولِحقّ المجتمع بأن ينعم بالأمن والطمأنينة بدون أعذار تخفيفية للجناة في جريمة مُشينة كجريمة الاغتصاب.

وقد شدد نواب بأن إلغاء المادة (308) هو استحقاق وطني داخلي، ولم يأت مراعاة لجهات خارجية؛ وذلك في إشارة إلى الموقف السلبي لمنظمات وهيئات دولية إزاء تلك المادة ومطالبتهم بإلغائها.
يذكر في هذا الخصوص أن دولاً عربية سبق أن سنت تشريعات في الاتجاه نفسه، بالحؤول دون إعفاء الجاني من العقوبة، ومنها مصر في عام 1999 والمغرب عام 2014، فيما هناك عدد آخر من الدول العربية يعفي الجاني من العقوبة في حال اقترن بالزواج من ضحيته. وهو ما ينشط ائتلاف البرلمانيات العربيات لحماية المرأة من العنف، لتصحيحه عبر التواصل مع المجالس التشريعية العربية.

التطورات التشريعية في الأردن لم تقتصر على هذه المادة؛ لكنها شملت المادة (98) من قانون العقوبات، التي كانت تمنح عذراً مخففاً فيما يُسمى ب«جرائم الشرف»؛ إذ أضيفت فقرة تنص على أنه: «لا يستفيد فاعل الجريمة من العذر المخفف، إذا وقع الفعل على أنثى بداعي المحافظة على السمعة والاعتبار». ومن شأن هذا التعديل أن يشكل رادعاً لمرتكبي هذه الجرائم، التي تقع على الإناث حصراً، دون الطرف الآخر وهو الرجل. ورغم النمو السكاني تميل نسبة هذه الجرائم إلى الانخفاض؛ وذلك مع زيادة الوعي بفداحة هذه الجرائم التي تقع ضحيتها إناث «بريئات» أو قاصرات، وكانت تتم في نطاق العائلات نفسها، وفي كثير من الحالات يكون الجاني دون السن القانونية، فينال حُكماً مُخففاً كونه حَدثاً.

وقد سبق للدولة في الأردن أن تدخلت لإنصاف النساء في الانتخابات النيابية؛ وذلك مع فرض «كوتا» من المقاعد المخصصة للنساء، وبدون هذا الإجراء فإن وجود النساء تحت قبة البرلمان كان من المقدّر له أن يكون أقل من رمزي. فيما يشترط قانون الأحزاب مشاركة النساء في أي حزب يتقدم للحصول على دعم مالي، وربط نسبة الدعم بعوامل منها نسبة انضواء النساء في الحزب. بينما يشترط القانون الذي ينظم عمل المجالس البلدية (المحلية) أن يضم كل مجلس ما نسبته 25 في المئة من أعضائه من النساء.
ربما يراها البعض انتصارات جزئية أو محدودة، في ظل استمرار النظرة الدونية للإناث على مستوى المجتمع ككل، غير أن المبادرات تظل مطلوبة، وإذا كان المجتمع لا ينصف المرأة «ككائن بذاته لا بغيره» (وفق الناقدة خالدة سعيد)، فالمطلوب من الدول والنخب أن تتقدم بهذا الاتجاه، من أجل إطلاق الطاقات الكامنة في المجتمع، وإرساء المساواة وسيادة القانون بصرف النظر عن الجنس، وكي لا تنشغل النساء بالدفاع الدائم عن أنفسهن والتشكي من الظلم الواقع عليهن، وحتى لا يعوّض الذكور إخفاقاتهم في مجالات شتى بالتسلط على النساء.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"