تعيين بولتون لن يضيف جديداً

02:09 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

أثار تعيين الدبلوماسي المخضرم والمحامي جون بولتون، مستشاراً للأمن القومي ردود فعل واسعة تكاد تزيد على الأصداء التي تركتها إقالة ريكس تيلرسون وتعيين مايك بومبيو بديلاً له على رأس وزارة الخارجية. ذلك أن بولتون معروف بنزعته المحافظة والمتشددة، منذ كان من كبار موظفي وزارة الخارجية ممثلاً للولايات المتحدة في الأمم المتحدة. على أن تعيين رجل بهذه الصفات ليس بأمر جديد على إدارة ترامب، الذي يحرص على اختيار شخصيات لمراكز رفيعة تتوافق مع رؤيته وسياساته، وتترك القرارات الأخيرة في الموضوعات الحساسة للرئيس، وخاصة مع الملاحظة بأن ساكن البيت الأبيض ينزع إلى ترك بصمته واضحة على القرارات ذات الأهمية الخاصة. ولدى تعيينه في منصبه الرفيع سارع بولتون للقول إنه «سوف ينسى مواقفه السابقة على شاشة فوكس نيوز التي كان يعمل معلقاً سياسياً فيها». والمقصود بذلك أنه لن تكون له مواقف خاصة أو تقديرات ذاتية، وأنه سوف ينفّذ التوجهات الأساسية للرئيس.
يذكر هنا أن منصب المستشارية للأمن القومي لا يقتصر على إبداء الملاحظات والمقترحات، إذ إن من يحتل هذا المنصب يكون من أكثر الأشخاص قرباً من الرئيس، وهو في منزلة مساعد له لشؤون الأمن القومي.
والآن وبينما يضع بولتون خلفه تاريخاً من المواقف المتشددة، إلا أن الرئيس هو من يصوغ الخيارات الأساسية. وعلى سبيل المثال فإن بولتون سبق له أن رفض كشخصية مستقلة الاتفاق النووي مع إيران، ودان قبول الرئيس السابق أوباما به، غير أن مصير الاتفاق مرهون بالرئيس ترامب نفسه وبالشركاء الأوروبيين الذين وقّعوا على الاتفاق الذي لم تتم مراجعته حتى الآن، وقد يستغرق الأمر وقتاً غير قصير قبل أن تتم هذه المراجعة.. إذا تمت.
معلوم أيضا أن للرجل مواقف متشددة من كوريا الشمالية، وقد دأب على المطالبة بأن تكون الضربة الأمريكية هي الأولى!. غير أن الأنظار تتجه الآن إلى قمة أمريكية - كورية شمالية، وهو ما لم يكن أحد ينتظره أو يتوقّعه قبل أسابيع. ويتردد أن وزير الخارجية الجديد مايك بومبيو القادم من رئاسة ال «سي آي إيه»، هو من أدار مباحثات سرية مع بيونج يانج، أفضت إلى الاتفاق على عقد قمة ثنائية في مايو المقبل. وعليه فإن بعض التطورات تسبق تطلعات المستشار الجديد بولتون، هذا إذا تمسك بها، والأغلب أن لا يفعل، وقد ألمح إلى مراجعة مواقفه ما إن تمّت تسميته للموقع الجديد.
وعليه فإن صعود جون بولتون لن يغيّر كثيراً في سير الأمور. فقد أثبت الرئيس ترامب رغم شخصيته الصريحة، أنه على جانب من الحذر حين يتعلّق الأمر باتخاذ قرارات حساسة، فالأزمة بين بريطانيا وروسيا لم تنعكس على العلاقات الأمريكية - الروسية، رغم تأييد واشنطن المبدئي للموقف البريطاني بخصوص تداعيات أزمة الجاسوس المزدوج، سيرجي سكريبال، فيما لم تدفع التحقيقات المتواصلة حول تدخل روسي مفترض في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إلى اتخاذ موقف عدائي من موسكو، بل إن ترامب اغتنم فرصة فوز الرئيس بوتين بولاية رئاسية جديدة كي يرسل له برقية تهنئة حارة، رغم الانتقادات الواسعة في وسائل الإعلام الأمريكية والغربية لمجرى الانتخابات الروسية ومدى مطابقتها للمعايير الدولية.
خلافاً لجملة هذه المواقف التي تتسم بالحذر من طرف البيت الأبيض، فقد برز الموقف المفرط في تشدده وتحيّزه، وهو قرار الاعتراف بالقدس العربية عاصمة للاحتلال الصهيوني، وما تبعه من قرار بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة يوم 15 مايو المقبل مع حلول ذكرى النكبة الفلسطينية. وعلى الأرجح فإن بولتون لن يضيف جديداً على منحى الانحياز المتمادي للاحتلال، وهو انحياز وجد مقدمات له في الحملة الانتخابية لترامب، وفي ضعف الخبرة السياسية بملف الشرق الأوسط، وفي التعويل على نفوذ اللوبي الصهيوني في المفاصل الأساسية للحياة العامة الأمريكية. والعودة عن هذا القرار أو محاولة تصحيحه، مرهونة بمدى تأثير الخارج، ومدى التمسك برفض هذين القرارين اللذين يتعاكسان مع القرارات الدولية، وحتى مع مواقف أمريكية سابقة، عبّر عنها الرؤساء المتعاقبون منذ نحو نصف قرن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"