تفاؤل حذر بصعود الإسلاميين

04:52 صباحا
قراءة 4 دقائق

الإسلاميون يتصدرون نتائج الانتخابات في دول شمال إفريقيا (المغرب، تونس ومصر) . في ظروف سابقة كان هذا الحدث سيبدو محاطاً بعلامات استفهام وتحف به محاذير شتى . في ظروف الربيع العربي وانتفاء شبهة التزوير وبالاحتكام إلى صناديق الاقتراع والقبول المسبق بالنتائج، فإن هذا الحدث رغم ما يحمله من إثارة فإنه يمُر بهدوء وتقبل عام . حتى إن الدوائر الغربية تبدي قبولاً علنياً به . وإذا كان هناك يساريون ووسطيون ولبيراليون في أوساط المجتمعات لا بين المرشحين فقط قد أصيبوا بالصدمة، فإن ذلك لم يدفع أحداً للخروج على اللعبة الديمقراطية . ومن جهتهم فإن الفائزين في المغرب وتونس حرصوا على طمأنة الجميع بأن الحياة سوف تسير سيرها المعتاد، وأن انقلاباً لم يحدث ولن يحدث، وقد ترافق ذلك مع السعي لبناء ائتلافات حكومية سيكون لها انعكاساتها على مجرى عمل المجالس التشريعية المنتخبة .

يود المرء هنا أن يرحب بهذه النتائج، لأكثر من اعتبار من دون إغفال محذور سوف يتم التطرق إليه .

الاعتبار الأول أن هذا التغير في المعادلات السياسية الداخلية يزيل قدراً كبيراً من الاحتقان الاجتماعي، ويسهم في ردم الفجوة الكبيرة بين الحكام والمحكومين في هذه البلدان، ويسمح لفئات عريضة مهمشة أو محافظة، بأن تكون كلمتها مسموعة عبر ممثليها المنتخبين . كما يسمح لهذه الشرائح الكبيرة بأن تشارك في الشأن العام . ولما كانت هذه البيئة الشعبية في ما مضى أرضاً خصبة لتلقي واحتضان بذور العنف السياسي والاجتماعي والعقائدي، فإن تصدر ممثلي هذه البيئة للسلطتين التنفيذية والتشريعية، يغلق الباب أمام نمو التطرف بل ينزع عنه أي شرعية اجتماعية . ولما كانت هذه البلدان الثلاثة قد عانت بدرجات إلى جانب استبداد الحكم وفساده من موجة التطرف، فإن لنا توقع أن تشهد هذه الموجة المزيد من الانحسار بصورة ملحوظة في مقبل الأيام .

الاعتبار الثاني ويتصل بما سبقه، يقوم على ان قوى الإسلام السياسي باتت على أهبة الاندماج في الحياة السياسية، وبدأت تبارح موقع المعارضة الأبدية . يشكل ذلك تحدياً لهذه القوى عليها أن تثبت استجابتها له، ولنا أن نتذكر ما يخص المغرب مثلاً فالمعارضة اليسارية في ذلك البلد وصلت إلى رئاسة السلطة التنفيذية في أواسط تسعينات القرن الماضي ممثلة بحزب القوى الاشتراكية الذي أسسه المهدي بن بركة، لكنها لم تحقق الكثير مما كان يزخر به خطابها من وعود وطموحات .

ليس من المحتم أن تتكرر التجربة مع الإسلاميين وخاصة في مواجهة معضلات التشغيل والصحة والإسكان، غير أن التحدي يظل ماثلاً كونها التجربة الأولى للإسلاميين في البلدان الثلاثة . وأياً كانت النتيجة التي ما زالت في علم الغيب، فإن الاندماج في الحياة السياسية الفعلية والعلنية وفق ضوابط قانونية ودستورية، سوف يدفع إلى إنضاج تجربة هؤلاء وربما تدفعهم لتداول تعبيرات مثل: الواقعية، والتركيز على أن لا حلول سحرية لمعضلات بنيوية قديمة، ولهم بعدئذ استخلاص أن المعارضة أسهل من تولّي الحكم، وأنها تحقق لأصحابها شعبية أعلى ونفوذاً أكبر في الشارع، وبعناء أقل مما يترتب على قيادة السلطة التنفيذية، علماً أن مآل النظام الجديد في مصر سوف يكون أكثر تعقيداً، فما زال النظام رئاسياً ولم ينتقل بعد إلى نظام برلماني . غير ان تصدر إسلاميين لمجلس الشعب علاوة على تحبيذ تيارات اخرى للنظام البرلماني، سوف يدفع الوضع في أرض الكنانة بهذا الاتجاه .

الاعتبار الثالث: أن فوز قوى إسلامية أساسية سوف يدفع إلى حالة فرز في الشارع الإسلامي بين من يؤمنون باللعبة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وبمبدأ المواطنة، وبين من ما زالت تأسرهم نزعة التكفير وتصنيف المواطنين على أساس ديني، وعلى الضد من مبدأ: الشعب (بكل فئاته وأطيافه) مصدر السلطات، وسيكون على القوى الصاعدة العاقلة احتواء هؤلاء .

لهذه الاعتبارات فإن الحراك السياسي الداخلي في البلدان الثلاثة مرشح للاغتناء مع ما قد يحف بذلك من بعض مظاهر الاضطراب . وهو ثمن يمكن تقبله مع السعي للحد من أضراره، في سبيل الانتقال إلى حياة ديمقراطية رحبة، لا محل فيها للإقصاء والاستحواذ، ولا مجال فيها لإعمال العقلية الانقلابية .

يبقى محذور لعله على جانب من الأهمية (والخطورة!)، لا بد من الإشارة إليه . فهناك خشية من أن تتمرس بعض قواعد وكوادر الأحزاب المتصدرة، بعقلية العمل السري وتحدي القانون والنقمة على المجتمع، كما في حال حزب النهضة التونسي مثلاً، وأن تجنح مثل هذه الأحزاب إلى احترام القوانين والتشريعات السائدة على مستوى التسيير الحكومي والأداء الرسمي، وأن تغض الطرف في الوقت نفسه عن تجاوزات أعضاء وهيئات في الحزب، كما في حادث اقتحام جامعة تونسية مؤخراً، إضافة إلى شواهد سابقة حملت تهديدات واستعراضات قوة .

ولكي يكون حزب كالنهضة حزباً مسؤولاً، فإن عليه تطبيق القوانين على أعضائه ومناصريه أولاً، وقبل الفئات الاجتماعية الأخرى، كي لا يقع في ازدواجية مهلكة بأن يكون جزء منه في الحكومة والبرلمان وتحت مظلة القوانين، وجزء آخر يقوم بمبادرات مستهجنة لأخذ القانون باليد ومحاولة تخويف الفئات الأخرى تحت سمع وأنظار السلطات الجديدة، التي تصل إذا وصلت متأخرة لجبر الضرر . شيء من ذلك كان يحدث في العراق أيام النظام البعثي السابق، ولا بد هنا في حالة دول مثل تونس والمغرب تفادي الوقوع في خطيئة الحزب الحاكم بأمره، أو غض الطرف عن حماسة واندفاع جماعتنا، فذلك يطعن في صدقية أي شعارات وتطمينات لفظية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"