ثنائية الهجرة والإسلام في الغرب

01:27 صباحا
قراءة 4 دقائق

الحسين الزاوي
أضحت ثنائية الإسلام والهجرة تمثل موضوعاً سجالياً بالنسبة للمهتمين بالقضايا المتصلة بالعلاقة ما بين الإسلام والغرب، وبخاصة عندما ينتقل الاهتمام بهذه الإشكالية من خانة المعالجة الفكرية والأكاديمية، إلى مستوى التناول الإعلامي الذي يعمل أحياناً على تبسيط النقاش ويجعله يتسم بالكثير من الاندفاع والحماسة من خلال إما الدفاع عن المواقف، وإما التنديد بها، بعيداً عن التحليل الرصين للظواهر والتصورات المتعلقة بهذه الإشكالية المعقدة، التي باتت تسمّم أجواء العلاقات الدولية، وتخلق بيئة غير صحية تساعد على تفاقم حالة الصراع والصدام الحاد المتعلق بالهويات الثقافية والدينية.
ويرى الكثيرون أن القرارات السياسية المتهافتة لبعض الدول العظمى، تُسهم بشكل واضح في دفع هذا الاستقطاب نحو حدوده القصوى؛ فقد أدت قرارات الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تمنع بموجبها مواطني مجموعة من الدول العربية والإسلامية من السفر إلى الولايات المتحدة، إلى بروز موجة من ردود الأفعال المندّدة بهذا السلوك القائم على التمييز ما بين مواطني العالم على أساس العقيدة والانتماء الديني، ما أدى بالتالي إلى نقضه. ويمكن القول إن الصبغة العالمية التي اتخذتها الاحتجاجات ضد هذه السلوكات، ساعدت إلى حد كبير في التخفيف من حدة المواجهة القائمة على عناصر الهوية الدينية، وبخاصة أن القسم الأكبر من هذه الاحتجاجات والمواقف الرافضة للتمييز ضد المسلمين، قادتها شخصيات وجمعيات مدنية تنتمي إلى الدول الغربية، وكان للشارع الأمريكي دور ريادي في رفض هذه القرارات غير الإنسانية التي تعود بنا القهقرى إلى مرحلة بائدة من الصراع الديني الذي يخدم مشاريع القوى المتطرفة.
ويجب الاعتراف في هذا السياق بأن هذه الوضعية المأزومة التي يشهدها موضوع المهاجرين المسلمين في أوروبا وأمريكا الشمالية، ليست وليدة هذه التطورات الطارئة، ولكنها ترتبط - في اعتقادنا- بوجود تحولات سياسية ومجتمعية متعددة الأوجه باتت تشهدها معظم الدول الغربية الكبرى التي تستقبل مجموعة كبيرة من المهاجرين المسلمين فوق أراضيها. ولن نبالغ إذا قلنا أن ثنائية الهجرة والإسلام قد تحوّلت إلى موضوع رئيس في سياق السجالات السياسية التي تميّز الحملات الانتخابية لمعظم الدول الغربية، لاسيما أن التيارات اليمينية تسعى إلى توظيف ملف الهجرة والمشكلات المتعلقة بعناصر الهوية، من أجل استقطاب أصوات القوى المحافظة، التي يزداد تأثيرها في المشهد السياسي العام نتيجة للصعوبات الاقتصادية الكبيرة التي باتت تعرفها الدول الغربية.
كما يجب الإقرار في السياق نفسه، بأن التهميش الذي عانته الجاليات المسلمة في الغرب نتيجة فشل بعض الحكومات الغربية في تخفيف معاناة مواطنيها المسلمين من جهة، وبروز بعض تيارات الإسلام السياسي المتشددة التي تستغل جهل أبناء الجالية المسلمة بقواعد الدين من أجل نشر أفكارها المتطرفة، من جهة أخرى، يمثلان عاملان أساسيان ساهما بشكل بارز، في خلق حالة من الصراع المتعدد الأوجه بين المهاجرين، ومعهم جلّ المواطنين المسلمين، وبين القوى الغربية المحافظة التي تنظر إلى الاختلاف في الدين على أنه عنصر غير إيجابي يهدد عناصر الهوية الغربية، لأن المسلمين يرفضون في زعمهم الاندماج في صفوف مجتمعاتهم الجديدة، ولا يحترمون قوانين وقيم الدول التي استقبلتهم ووفرت لهم سبل «العيش الكريم».
هناك إذاً، تخوّف غربي من التزايد السكاني للمسلمين، حيث يذهب البعض إلى القول إن المسلمين يسعون إلى أسلمة مجتمعاتهم الجديدة من خلال تحويل المساجد من أماكن للعبادة إلى مراكز لنشر الدعوة الدينية، وحث المواطنين المنحدرين من أصول مسلمة على عدم الالتزام بقوانين الدول التي تستقبلهم بدعوى منافاتها وتعارضها مع مبادئ الشريعة؛ وهذا ما يجعل الكثير من الساسة الغربيين يدقون «ناقوس الخطر» ويحذرون مما يقولون إنه تسارع رهيب في وتيرة بناء المساجد في مدن أوروبا وأمريكا. وبالتالي، فإن سعي بعض النخب الغربية إلى التأسيس لممارسة دينية إسلامية تأخذ في الحسبان خصوصية المجتمعات الأوروبية والغربية، يصطدم في رأيهم برفض القوى الإسلامية المحافظة التي تريد الترويج لفهم متشدد لقواعد الدين الإسلامي، الأمر الذي يتعارض، في اعتقادهم مع الأسس العلمانية التي تقوم عليها مجمل المجتمعات الغربية المعاصرة. وما زاد الطين بلة، هو تزايد حالة الخوف المتصاعد من الإسلام والمسلمين التي باتت توصف بالإسلاموفوبيا، نتيجة الهجمات الإرهابية الأخيرة التي ارتكبها متطرفون يحملون جنسيات أوروبية على صلة بالتنظيمات المتشددة في مناطق النزاع في الشرق الأوسط.
ونستطيع أن نزعم في هذه العجالة أن الخروج من وضعية المواجهة بين الثقافات والأديان، التي يدفع ثمنها مواطنون أبرياء من المهاجرين المسلمين وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى، يتطلب الاعتراف بأن فرضية الرجوع إلى الوراء والتنازل عن مكاسب الحضارة المعاصرة، متناقضة إلى حد كبير ولا يمكن التسليم بها، ومن غير المعقول أن تنغلق الشعوب والثقافات على نفسها، لأن من شأن ذلك أن يهدد مستقبل البشرية برمتها، ويتطلب الأمر في اعتقادنا التخلص بداية من نزعة المركزيات على اختلاف أنواعها ومشاربها، سواء تعلق الأمر بالنزعة المركزية الأوروبية والغربية، أو بالمركزية الإسلامية التي يروّج لها أصحاب الفهم المغلق والمتشدد للإسلام.
وبالتالي فإن التطرف لدى بعض المجموعات الصغيرة من الجالية المسلمة المهاجرة، يجب ألا يستثمر في هذه المرحلة التاريخية الحبلى بالصراعات والتناقضات الصارخة، من أجل خدمة أغراض سياسية تتبناها التيارات اليمينية المتشددة التي تسعى إلى تحويل أزمة الدولة الغربية الحديثة إلى صراع حول هويات غامضة وملتبسة، متناسية الإسهام الكبير الذي قدمته الجاليات المسلمة المهاجرة على مدى عقود من الزمن في تطوير عجلة التمنية، وفي بناء الرخاء الاقتصادي للدول الغربية التي استقبلتها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"