جردة حساب السنة الأولى من حكم هولاند

04:15 صباحا
قراءة 4 دقائق

بعد عام بالتمام والكمال على وصوله إلى الإليزيه، احتل فرانسوا هولاند مرتبة الرئيس الأقل شعبية في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة . فبحسب استطلاعات الرأي ينظر 67 في المئة من الفرنسيين بسلبية إلى السنة الأولى من حكم هولاند، و37 في المئة لا أمل لهم في المستقبل الاقتصادي في ظل الحكومة الاشتراكية الحالية . و65 في المئة من الذين اقترعوا لهولاند أصيبوا بخيبة أمل .

وقد اختار زعيم جبهة اليسار جان-لوك ميلانشون تنظيم تظاهرة حاشدة ضد هولاند في الذكرى الأولى لانتخابه، رفعت فيها أقسى الشعارات المناهضة لسياساته الاجتماعية والاقتصادية التي هي أقرب إلى اليمين منها إلى اليسار، كما تراها الأحزاب الواقعة إلى يسار الحزب الاشتراكي الحاكم .

في اليمين طالبوه بالاستقالة أو على الأقل بتشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة خصومه السياسيين . وتساءلت مجلة لوبوان في صفحتها الأولى عما إذا كان الرجل يملك الأهلية للحكم، أما مجلة الإكسبرس فأسمته مستر ضعيف، وتسابقت الصحف اليمينية على وصفه بالعاجز والمتخبّط والفاقد الرؤيا .

لقد انتظر الفرنسيون الكثير من المرشح الاشتراكي الذي رفعت حملته الانتخابية شعار التغيير الآن والذي هزم نيكولا ساركوزي في المناظرة التلفزيونية عشية الانتخابات، قبل أن يهزمه في هذه الانتخابات التي قدم خلالها وعوداً بتغيير السياسات النيوليبرالة، وتقديم بدائل تضمنها برنامجه المؤلف من ستين نقطة . لكن تبين للفرنسيين بأنه نجح في نشر الأوهام وتقدم بوعود كان يدرك سلفاً عجزه عن الوفاء بها . وها هم يدركون اليوم بأن الرئيس اليساري ليس أفضل من سلفه اليميني، لأن السياسات نفسها هي التي تمارس في بلد يميني وعلى خلفية أزمة أوروبية سياسية واقتصادية في عالم مضطرب ونظام دولي ضبابي المعالم .

وعد هولاند، وحاول الوفاء بوعده في الحقيقة، بالوقوف في وجه المستشارة الألمانية ميركل لحثها على دعم سياسة نموّ في أوروبا بديلاً عن سياسة التقشف . لكنه اضطر، باسم السيادة الوطنية والاستقلال المالي، للانكباب على تصحيح العجز الخزيني والسيطرة على الدين العام . وبالتالي عاد ليسير خلف خطى الرئيس ساركوزي الذي طالما وجه له سهام الانتقاد عندما كان في المعارضة . والنتيجة أن النمو لم يتخط عتبة الصفر في المئة منذ سنتين متتاليتين، والبطالة وصلت إلى المستوى القياسي الذي كانت عليه في عام 1997 (أكثر من عشرة في المئة) وهو الأعلى في تاريخ الجمهورية الخامسة .

رفض هولاند تغيير الحكومة أو رئيسها الذي انهارت شعبيته هو الآخر: 42 في المئة، وهو رقم قياسي . وكان لفضيحة وزير الخزانة جيروم كاهوزاك وقعها المدوي . فقد تبين بأن الذي من مهامه مكافحة الغش المالي، يملك حساباً مصرفياً في سويسرا، بعدما أنكر وكذب فاضطر إلى الاستقالة والمثول أمام القضاء .

وإذا كانت جردة الحساب على المستوى الداخلي سلبية إلى حد كبير، ففي السياسة الخارجية ليست الأمور في حال أفضل، إذ إن التبعية حيال الولايات المتحدة والتخبط في الشرق الأوسط هي السمة الغالبة، رغم أن التدخل العسكري في مالي، الذي فاجأ الجميع، لم يؤد إلى الغرق في مستنقع كما توقع المحللون . كما يسجل لهولاند وفاؤه بوعد الانسحاب من أفغانستان مع نهاية العام 2102 منسجماً بذلك مع التقليد الديغولي بالاستقلال داخل حلف الأطلسي .

في مواجهة الانتقادات التي أصابته من اليمين واليسار والوسط على حد سواء، جمع هولاند حكومته في الإليزيه طالباً منها تسريع الإصلاحات وإعطاء نتائج ملموسة في أوقات محددة، فسنة واحدة هي وقت قصير جداً، لكن أربع سنوات ليست بالوقت الطويل كما قال . وأكد عزمه على الوفاء بتعهداته قبل انتهاء ولايته المؤلفة من خمس سنوات .

ويقول مؤيدوه إنه رغم نسبة النمو الصفرية والتصنيف الائتماني الذي انخفض درجة، فإن فرنسا تستدين بنسب فائدة منخفضة جداً، ما يعني أن العالم ما يزال يثق باقتصادها وبقدرتها على النهوض، وما يزال توقيعها يوازي التوقيع الألماني صدقية بالنسبة للمستثمرين الأجانب . كذلك فإن تعليقات الصحف المؤيدة تفاخر بإنجازات كثيرة تحققت في طليعتها، إقرار الزواج المثلي .

وللإنصاف فإن القضية ليست قضية أشخاص أو أحزاب، بقدر ما هي أزمة النموذج الاجتماعي الاشتراكي في عالم نيوليبرالي . فعلى سبيل المثال حاول هولاند تنفيذ وعده بفرض ضرائب مرتفعة على الأغنياء (57 في المئة على المداخيل التي تزيد على مليون يورو سنوياً)، لكن المجلس الدستوري خذله في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لاسيما بعد تهديد أثرياء كثر بالهجرة من فرنسا إلى الجنات الضريبية . وليست قضية الممثل الشهير جيرار ديبارديو الذي ترك فرنسا إلى روسيا التي حصل على جنسيتها إلا أحد الأمثلة التي ذاع صيتها .

رغم ذلك فبالمقارنة مع دول مثل إسبانيا واليونان وقبرص والبرتغال، وحتى بريطانيا، يبدو الاقتصاد الفرنسي - الخامس في العالم - في صحة أفضل . فإذا كانت نسبة البطالة في فرنسا عشرة في المئة فإنها في إسبانيا 62 في المئة، وإذا كان العجز الخزيني في فرنسا 3،7 في المئة من الناتج الإجمالي فإنه في بريطانيا ،7 4 في المئة، والدين العام في فرنسا تخطى تسعين في المئة من هذا الناتج، إلا أنه وصل في إيطاليا إلى 521 في المئة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"