حقوق الإنسان في زمن الوباء

03:47 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. إدريس لكريني

الحرص على احترام حقوق الإنسان في هذه الفترة العصيبة، يقتضي توفير الشروط الاجتماعية والاقتصادية والصحية والأمنية.

أضحى احترام حقوق الإنسان في عالم اليوم أحد المؤشرات التي يقاس بها مدى تقدّم الدول وتحضّرها؛ بل وصل الأمر إلى حدّ إصدار مجلس الأمن مع بداية التسعينات من القرن الماضي مجموعة قرارات اعتبر فيها أن خرق حقوق الإنسان، يشكّل تهديداً للسلم والأمن الدوليين (كحالتي الصومال، والعراق..)، ما سمح ببروز ممارسات دولية جديدة، تجسّدت فيما سمّي ب«التدخل الإنساني»، أي تدخل مجلس الأمن باسم حماية حقوق الإنسان، ووقف الانتهاكات المرتكبة داخل بعض الدول.

تزايد الاهتمام الدولي خلال العقود الأخيرة بقضايا حقوق الإنسان، مع تفجّر الخروق في عدد من الدول؛ بسبب النزاعات الداخلية، أو نتيجة لممارسات بعض النظم السياسية، حتى أن كثيراً من الدول الغربية اعتادت على إصدار تقارير تعنى بأوضاع حقوق الإنسان في العالم وبخاصة في دول الجنوب، فيما تزايدت أعداد المنظمات التي اعتادت مواكبة حقوق الإنسان في العالم، وإصدار تقارير منتظمة بشأنها.

في الأغلب تنصبّ الانتقادات الواردة بشأن الانتهاكات التي تطال حقوق الإنسان على عدد من دول الجنوب، حتّى تكرّست صورة نمطية عن هذه الدول بأنها المعنية أساساً بهذه الخروق والانتقادات المترتبة عنها.

ترتبط الأزمات والكوارث بأوضاع ضاغطة، تثير قدراً كبيراً من الهلع والخوف، في الأغلب يرافقها اتخاذ تدابير وسياسات استثنائية وغير مألوفة، في إطار السعي إلى محاصرتها، ومنع خروجها عن نطاق التحكم والسيطرة.

وعلى الرغم من الظروف الطارئة والفجائية التي تفرزها الأزمات، فإنها لا تشكل مبرّراً لارتكاب الخروق في مجال حقوق الإنسان، أو التنكر للاتفاقات والمواثيق والقوانين الدولية ذات الصّلة.

شكلت جائحة «كورونا» محكّاً حقيقياً لقياس مدى انضباط الدول بالشعارات التي ما فتئت تطلقها حول احترام حقوق الإنسان، والتزامها بمقتضيات دساتيرها ومضامين الاتفاقات المبرمة في هذا الخصوص، ففي أوروبا حدثت مظاهر قرصنة لحمولات من السلع لدول أخرى، كما برزت تصريحات تدعو إلى تجريب لقاح «كورونا» على الأفارقة، وتحدثت بعض التقارير الإعلامية عن وجود مظاهر تمييز في تقديم العلاج داخل بعض البلدان الغربية؛ بسبب الجنس والعرق..

ودعت العديد من المنظمات الدولية الحقوقية، إلى توخّي قدر كبير من الحذر في تطبيق التدابير الاحترازية والوقائية التي فرضها تمدّد الوباء، مع الأخذ بعين الاعتبار الحقوق المكفولة لعدد من الفئات داخل المجتمع.

في الوقت الذي ضحّت فيه بعض الدول بمصالحها الاقتصادية، وسارعت إلى اتخاذ إجراءات احترازية صارمة؛ لضمان الأمن الصحي لمواطنيها؛ حيث بادرت إلى فرض حجر صحّي، وأغلقت المؤسسات التعليمية والمطاعم والنوادي والمطارات.. وأوقفت الرحلات الجوية.. بدا هناك نوع من التلكؤ والتأخر في هذا الخصوص، داخل بعض الدول بما فيها المتقدمة منها؛ بفعل الضغوط التي مارستها بعض جماعات الضغط، ما جعل الوضع الوبائي يتطوّر بشكل خطر مخلفاً عدداً كبيراً من الضحايا.

وتزايدت المخاوف من تحوّل بعض المؤسسات العقابية (السجون) إلى بؤر للوباء تحت تأثير الاكتظاظ؛ حيث أشادت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بالتدابير التي اتخذتها بعض الدول؛ للتخفيف من عدد السجناء، وأوصت باتخاذ تدابير زجرية خاصة في مواجهة مخالفي القوانين في هذه الفترة، عوض الزجّ بهم في هذه المؤسسات، تلافياً لانتشار الوباء.

ونبّهت بعض الهيئات الحقوقية على امتداد مناطق مختلفة من العالم إلى الصعوبات التي يعانيها ذوو الاحتياجات الخاصة، أو مرتادو دور رعاية المسنين، في هذه الأجواء، ما يتطلب توفير رعاية واهتمام خاصين على مستوى ضمان شروط السلامة والنظافة والتباعد الاجتماعي..

وقدمت منظمة العفو الدولية توصيات مهمة، دعت فيها الحكومات إلى اتخاذ التدابير اللازمة؛ لمحاصرة الوباء، مع احترام حقوق الإنسان، من قبيل: ضمان حرية التعبير، والحق في الصحة، وعدم التمييز، وتجنّب القيود الشاملة والمبالغ فيها..

ولم تخف بعض النخب السياسية والأكاديمية والفكرية تخوّفها من أن تفضي إجراءات الطوارئ في بعض الدول إلى التنكّر للقوانين والانحراف في تطبيقها، وإلى عودة السلطوية والاستبداد إلى الواجهة، وإلى تصفية الحسابات مع المعارضة والخصوم السياسيين، تحت وطأة الهلع والخوف وذريعة محاصرة الجائحة.

إن الحرص على احترام حقوق الإنسان في هذه الفترة العصيبة التي تمرّ بها الإنسانية جمعاء، عبر توفير الشروط الاجتماعية والاقتصادية والصحية والأمنية.. واعتماد الشفافية في التواصل مع الجمهور، وضمان الحقّ في الولوج إلى المعلومات.. كلها عوامل ستسهم حتماً في توفير مناخ سليم؛ لمحاصرة الوباء بأقل كُلفة ممكنة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"