حق سوريا القومي على أمتها

03:38 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. علي محمد فخرو

لا يحتاج شعب سوريا الشقيق إلى ألاعيب وتوازنات القوى الدولية، وإنما يحتاج إلى أن يشعر بأن انتماءه إلى أمته العربية ووطنه العربي هو الضمان الأهم لخروجه من المحنة التي يعيشها.
بعيداً عن مماحكات السياسة في المشهد العربي السوري، وتجنباً للانحياز أو التعاطف مع هذه الجهة أو تلك، يتطلب الأمر النظر بموضوعية تامة من جهة، والالتزام المبدئي العروبي القومي من جهة ثانية.
في هذا المشهد نحن أمام تناقضات غريبة تخفي نوايا سيئة، وخططاً استخباراتية دولية استعمارية خارجية، وعبثاً عربياً قلّ نظيره.
التناقض الأول يتمثل في المفارقة التالية:
تتواجد الجمهورية العربية السورية في كل المحافل والمؤسسات الدولية؛ حيث يجلس في المقاعد التي تحمل اسمها مندوبون رسميون عيّنتهم السلطة التنفيذية في الحكومة السورية الحالية. أما في الجامعة العربية فإن مقعد الجمهورية العربية السورية يبقى سنة بعد سنة خالياً، بدعوى وجود جهات معارضة، مسنودة من قبل هذه الجهة العربية أو الخارجية وتلك، تدّعي بأنها هي الأحق في الجلوس في ذلك المقعد.
لو أننا قبلنا بهذا المنطق، فكم مقعداً في الجامعة العربية يجب أن يبقى خالياً؛ بسبب وجود معارضات مسلحة أو جماهير حاشدة تجوب الشوارع وتنادي بسقوط هذا النظام أو ذاك؟ التناقض الثاني، يتمثُّل في إبعاد دولة عربية كانت من مؤسّسي الجامعة العربية ومن بين أهمّ المكوُّنات للكيان العربي الكبير، تاريخاً وعطاءًّ حضارياً غزيراً وتضحيات هائلة؛ لرد كل عدوان عن أي جزء من الوطن العربي، وعلى الأخص العدوان الصهيوني.
التناقض الثالث، هو أن مجلس الجامعة قد سمح لنفسه بأن يناقش، وبصدق وحق، موضوع الاحتلال التركي للجزء الشمالي من سوريا العربية، باعتبار أن أرض سوريا هي جزء من الوطن العربي الكبير، بينما أحجم نفس المجلس طيلة ثماني سنوات عن شجب ومعارضة تصرُّفات تركيا التي أعطت لنفسها الحق في أن تصبح ممّراً آمناً لدخول برابرة الجهاد التكفيري المجنون إلى أعماق سوريا، واحتلال ثلث أرضها، والاعتداء الطائفي على شتى مكوناتها الوطنية والدينية، وتشريد الملايين من العرب السوريين إلى الملاجئ والمنافي.
التناقض الرابع، هو بقاء مؤسسة الجامعة العربية شبه نائمة ومشلولة عبر السنوات الثماني الماضية، ووقوفها شبه متفرجة على مأساة الصراعات والمؤامرات والتدخلات الخارجية في الجمهورية العربية السورية، وترك محاولات الوساطات وتقريب وجهات النظر وطرح حلول سياسية معقولة للغير، بينما كانت هيئة الأمم ومضاربات مصالح الدول الكبرى وجنون بعض الدول العربية تخيط في المشهد السوري. ألا يثير السكوت الطويل المطبق، وفي أحسن الحالات التفوُّه ببعض الكلمات المترددة الخائفة من هذه الجهة أو تلك، ألف سؤال وسؤال حول الرعشة الغاضبة الأخيرة للجامعة والتي لا تزال تقف حائرة مترددة أمام الأهمية القصوى لوجود مخرج قومي واقعي لرجوع الجمهورية العربية السورية إلى مقعدها الشاغر في الجامعة العربية؟
لنؤكد بصورة قاطعة، وبلا خوف من بلاد الاتهامات الانتهازية، بأننا لا نبتغي من وراء إثارة هذه الأسئلة الانحياز لهذه الجهة أو تلك، أو لوم هذه الجهة أو تلك، فهذا سيأتي أوانه في المستقبل، وسيكون الشعب العربي السوري الشقيق أول من سيقوم بمهمة المحاسبة، وإنما نرمي إلى المساهمة في تنبيه مجلس الجامعة إلى أن ينتقل إلى مرحلة جديدة بالنسبة لهذا الموضوع، وأن يعطي أولوية قصوى؛ لإخراج الملايين من شعب سوريا من جحيم الذل والدموع والعذابات التي يعيشها.
من حق شعب سوريا، الذي ضحى في الماضي بالغالي والنفيس في سبيل مساعدة إخوته العرب في كل مكان وإبان كل محنة تعرّضوا لها، إعانته على الوصول إلى قيام حياة سياسية وحقوقية يرتضيها لنفسه، دون أية تدخُّلات خارجية.
إن شعب سوريا الذي دحر الاستعمار الفرنسي، وقاوم الوجود الصهيوني في فلسطين المحتلة، وأغنى الحياة الفكرية السياسية بعطاء فكري وثقافي قومي متميّز، ورضي بشهامة وحميمية أن يشاركه في عيشه وكل خدماته المجتمعية ملايين الإخوة العرب من المشرّدين والمضطهدين، هذا الشعب له الحق الأخلاقي والإنساني والقومي في أن تجند الجامعة العربية كل طاقات وإمكانات دولها العضوة في حل مشاكله .
لا يحتاج شعب سوريا الشقيق إلى ألاعيب وتوازنات القوى الدولية، وإنما يحتاج إلى أن يشعر بأن انتماءه إلى أمته العربية ووطنه العربي هو الضمان الأهم لخروجه من المحنة التي يعيشها والتي سمحنا، نحن العرب، بما فيهم جامعة الدول العربية، بأن تؤججها وتديرها وتهيمن على كل تفاصيلها جهات خارجية حاقدة متآمرة، بينما وقفنا نتفرج ونتثاءب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"