حكم القانون

05:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

لا يوجد أدنى شك في أن مدى هيمنة حكم القانون، مايعرف بRule of Law، يقيس مدى مدنية وتحضر أي مجتمع . وحكم القانون في قواميس السياسة هو نوع من الحكم حيث لا سلطة تمارس على أحد إلا حسب أسس ومنهجية ومحددات القانون، وحيث يستطيع أي مواطن أن يترافع بقضيتة ضد أي شخص مهما علا قدره وضد أي مسؤول في الدولة يمارس خرق القانون .

مناسبة الحديث عن موضوع حكم القانون هي مايراه ويسمعه ويقرأه الإنسان يومياً عبر وسائل الإعلام، وهي تتعامل مع نشاطات ومواقف شباب الثورات والحراكات العربية في الأقطار التي وصلها الربيع العربي، فوسائل الإعلام تظل تردد بصورة ببغاوية أن هذا النشاط مخالف للقانون وذاك الموقف يكسر القانون وذلك المطلب لا يقره القانون . وشيئاً فشيئاً تبدو الثورات والحراكات وكأنها عبث خارج حكم القانون، وبالتالي يجب أن تتوقف عند حدود معينة وأن تقوم الدولة بالضرب بيد من حديد على القائمين بها، وعلى الأخص الشباب منهم .

لكن وسائل الإعلام تحتاج إلى التذكير بأن عبارة حكم القانون، التي يرفعونها في وجوه شباب الثورات، لها متطلبات وشروط إذا أريد الاحتكام إليها، من أهمّها ما أكده المجلس الدولي لممارسي مهنة القانون في إعلان له سنة ،2005 عندما اعتبر أن من أبرز مكوّنات حكم القانون وجود قضاء مستقل ومحايد، يمارس تطبيق القانون بصورة عادلة وعلنية ومن دون تأخير متعمد يضر الناس . وعليه اعتبر المجلس أنه من غير المقبول على الإطلاق القبض التعسفي غير المبرر على أي مواطن، ولا احتجازه من دون محاكمة، ولا معاملته بقسوة أو بصورة مهينة تحط من كرامته ومعتقداته أو بممارسة تعذيبه، ولا محاكمته بصورة سرية .

ولسريان حكم القانون هناك وجه سياسي يجب أن يتوفر . فتطبيق حكم القانون يحتاج أن يكون من خلال وسائل ديمقراطية توفر، أولاً، الأسس التي تؤمّن أم الفضائل وهي العدالة، ولا تستثني، ثانياً، أحداً أياً كان من حكم القانون الذي يطبق بالتساوي على المجتمع وعلى الحكومة، والتي تفعّل، ثالثاً، الفصل الحقيقي لا الصوري بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، والتي، رابعاً، تتأكد من انطلاق جميع القوانين من القائمة الشاملة لحقوق الإنسان العالمية، والتي، خامساً، مثلما تؤكّد استقلالية القضاء تصر على استقلالية مهنة المحاماة .

هل قائمة المتطلبات طويلة ومعقدة؟ نعم، إذ من دونها يمكن لحكم القانون أن يصبح ممارسة تعسفية ظالمة وفاسدة . والبديل لتلك المتطلبات الصارمة أن ينتهي حكم القانون إلى الممارسات النازية والستالينيّة البشعة في معسكرات الاعتقال، إلى التحايل والتلاعب الأمريكي في غوانتانامو، إلى ألوف سجناء الرأي والحرية العرب من دون محاكمات أو بمحاكمات صورية، إلى إهانة أمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا يومياً في محاكم الجهل أو الفساد، إلى مجتمع يعيش حالة الجحيم .

لنأخذ مثالاً واحداً لتوضيح ما ذكرنا في الفقرات السابقة . أي كلام إعلامي مضحك ذاك الذي يطالب شباب ثورة مصر بعدم التحفظ على ما صدر من أحكام بحق الفاسدين والسراق من رجالات الحكم السابق، والتي استندت فيها الأحكام إلى القوانين المصرية السارية . يتجاهل هؤلاء وجود إشكاليات: فالذي صاغ تلك القوانين مؤسسات تشريعية سابقة جاءت عن طريق انتخابات مزورة وبالتالي لا تمثل المواطنين، والذي أصدرها نظام حكم معني بما يخدم بقاءه وليس بمصالح المواطنين والمجتمع . إن الأغلبية الساحقة من المتطلبات والشروط التي ذكرناها سابقاً لا تتوفر في ما تسمّيه وسائل الإعلام بحكم القانون وتنادي ليل نهار باحترامه . فلماذا يطلب من شباب ثورة مصر عدم التحفظ على تلك الأحكام وعدم رفع عقيرة الاحتجاجات في الساحات، بل ويتجرأ البعض باتهامهم بممارسة الفوضى وينصحهم بالرجوع إلى بيوتهم قبل أن تتحقق أهداف ومطالب الثورة؟

نعلم أن القضية شائكة، ولكن إلى حين تغيير القوانين السابقة وتوفر المتطلبات المذكورة سابقاً في عملية تشريع القوانين الجديدة وتطبيقها، أي ممارسة حكم القانون النزيه، ينبغي الاحتكام إلى توفر عنصرين أساسيين في كل حكم سيصدر، الأول: هو تحقيق أهداف الثورة وعدم التلاعب بها وتأجيلها، وهذا حق للذين استشهدوا في سبيلها، والثاني: هو الأمر الإلهي بإقامة الحق والعدل والقسط والميزان كشرط للسلام وكل الفضائل وسمو الإنسان، وكذلك أمر الحكمة الإنسانية: كيف السبيل إلى محاربة عنف الناس، يا حكيم الصين؟ بالعدل يا مولاي، بالعدل، قالها كونفوشيوس .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"