حكومة نتنياهو تحصنه من تهم الفساد

03:20 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

يقترب رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو من تحقيق حلمه بأن يتخلص من تهم الفساد الكثيرة التي تلاحقه بتحصين نفسه بقانون يمنع مقاضاة رئيس الوزراء، وهو يتصرف الآن كأنه شكل حكومته ويستعد لترضية حلفائه من اليمين الديني الصهيوني بتعطيل قانون تجنيد المتدينين الذي كان السبب في انهيار الائتلاف السابق حيث انسحب الوزير أفيغدور ليبرمان على خلفية الموقف في غزة ومعارضته إعفاء الشبان المتدينين من الخدمة العسكرية.
وسيضطر نتنياهو إلى تلبية مطالب الأحزاب الدينية المتطرفة لأنها حصدت 21 مقعداً يحتاجها لتشكيل حكومة ائتلافية، بالإضافة إلى حزب كحلون الذي تراجع قليلاً، ولا يحتاج بعدها لاشتراطات ليبرمان الذي ما زال يطالب بوزارة الحرب، لكن الأخير بدأ يميل إلى الانضمام إلى الحكومة بشروط كبيرة ظاهرياً لكنه سيتراجع عن أغلبها بعد سقوط غريمه المتطرف بينيت رئيس الحزب اليميني الجديد الذي سقط في الانتخابات. الفائز الأكبر في الانتخابات الاحتلالية هي أحزاب اليمين خاصة المتدينة التي لا يتأثر أنصارها بالدعاية وأجهزة الإعلام لأنهم يصوتون بناء على مرجعياتهم الدينية من الحاخامات. وقد خسرت الأحزاب العربية تمثيلها من 13 مقعداً إلى عشرة مقاعد بعد تفكيك القائمة العربية المشتركة لأسباب غير وجيهة.
نتنياهو يستعد لإقناع حلفائه باستصدار قانون في الكنيست يمنح الحصانة لرئيس الوزراء ضد الملاحقات القضائية، ومقابل ذلك يزيد المخصصات المالية للمعاهد والمدارس الدينية، ويتم إعفاء المتدينين من التجنيد الإجباري، ومقابل ذلك يطلب نتنياهو تأييد هذه الأحزاب وغيرها في اليمين ودعمه في الطلب من الرئيس الأمريكي فرض السيادة الاحتلالية على المستوطنات وغور الأردن وأجزاء من المنطقة المصنفة «سي» في الضفة، باعتبار أن الرئيس الأمريكي ترامب أقر مبدأ أن ما أخذ بالقوة يمكن فرض السيادة عليه مثل القدس والجولان. وقد أشار نتنياهو إلى ذلك في أحاديثه الانتخابية حيث قال عندما سئل عن ضم الضفة لسائله «انتظر وستفاجأ»، فهو كمن يضمن تأييد الرئيس الأمريكي لمثل هذه الخطوة الاستعمارية المجحفة. لكن رغم أن طريق تشكيل الحكومة «الإسرائيلية» يبدو سهلاً أمام نتنياهو لتحقيق طموحاته إلا أن الرئيس «الاسرائيلي» ريفلين وهو ليس على علاقة ودية مع نتنياهو يفضل مع طرح صفقة التسوية الأمريكية أن تكون هناك حكومة قوية بتشكيل حكومة وحدة بين الحزبين الكبيرين وهما الليكود وحزب الجنرالات. إلا أن ما يهم نتنياهو الآن هو الحصانة حيث إن أحزاب المعارضة وبعض اليمين تعارض هذه الحصانة لأن قانوناً كهذا يغير النظام «الاسرائيلي» إلى نظام رئاسي مطلق. فالجنرالات يتفقون سياسياً تقريباً مع نتنياهو بشأن أولوية ضم معظم الضفة لكنهم يختلفون في قضايا داخلية بشأن التجنيد وبشأن غزة حيث يعارضون إعفاء المتدينين من التجنيد خاصة أن قرابة عشرين بالمئة باتوا من المتدينين المتزمتين ويتهربون من الخدمة العسكرية، كما أن التعاطي مع غزة بات يقلقهم لأنهم يرون في حماس خصماً يجب هزيمته عسكرياً وليس تحييده مؤقتاً بالتسهيلات ونقل الأموال القطرية. ويبدو أن الجنرالات ليسوا على اطلاع على تفاصيل «التسوية» التي ستمنح غزة شكل الدولة وتفرض على الضفة أن تبقى تحت الاحتلال ضمن حكم ذاتي وهو ما يعرفه نتنياهو ويتحاشى الإعلان عنه لأنه لا يريد إحراج الإدارة الأمريكية التي تدعي أن تفاصيل خطتها سرية ولا يعلم بها أحد، وهو ادعاء كاذب، فلم يبق في «التسوية» أي سر سوى ما يتعلق بواجبات الدول العربية والتطبيع مع الاحتلال وتوطين «اسرائيل». وقد ذهب الأمريكيون و«الاسرئيليون» بعيداً في محاولة لتقويض السلطة الفلسطينية وخلق بديل محلي بتجفيف مصادر دعمها ومصادرة أموالها المحتجزة لدى الاحتلال حيث ترفض السلطة تلقي أموالها منقوصة بحجة أنها تصرف مخصصات لأسر الشهداء والأسرى، ولا يبدو أن هناك حلاً في المدى المنظور للأزمة المالية خاصة أن قرار وقف المساعدات عن السلطة اتخذه الكونجرس الأمريكي وقرار خصم مخصصات الشهداء والأسرى اتخذه الكنيست الاحتلالي على شكل قانون ولا يمكن إلغاء قانون إلا من قبل الكنيست وهو أمر مستحيل، ما يعني أن الأزمة المعيشية التي تسود غزة ستنتقل إلى الضفة لأن السلطة تصرف نصف الراتب للموظفين حالياً والمتقاعدين باستثناء أسر الشهداء والأسرى الذين يتسلمون مخصصاتهم كاملة.
ثمة إجماع على أن الشهور المقبلة في الأراضي الفلسطينية تشير إلى نكبة جديدة ستفرزها الصفقة الأمريكية وأن «الاسرائيليين» متوحدون على رفض الحقوق الفلسطينية بالكامل، وأن الخيارات السياسية الفلسطينية تبدو محدودة بعد نفاد الجهود السياسية التي لم تحقق شيئاً، لكن الشعوب لديها دوماً ما تقوله للاحتلال.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"