حلقات أطر الاستقرار المالي

02:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعظيم محمود حنفي *

يجهد المحللون في كيفية زيادة فعالية سياسات تحقيق الاستقرار المالي وتسوية الأزمات وجعل النظام الاقتصادي أكثر أماناً وبعيداً عن تكرار التدخل الحكومي الضخم الذي كان ضرورياً لمنع انهيار النظام المالي في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2007.
وتبدأ معالم الطريق الرئيسية من بداية الاضطرابات الائتمانية في 2007 وانهيار بنك بير ستيرنز في 2008، مروراً بفرض الوصاية (التأميم) على المؤسستين اللتين ترعاهما الحكومة (فاني ماي وفريدي ماك)، إلى انهيار بنك ليمان براذرز في 2008 وإنقاذ المجموعة الأمريكية الدولية للتأمين AIG علاوة على رد فعل السياسات خاصة قانون برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة (TARP
)- أي سلطة الخزانة في شراء الأصول الرديئة وضخ الأموال إلى البنوك وإنشاء العديد من تسهيلات الاحتياطي الفيدرالي بهدف توفير السيولة لنظام مالي متعسر.
ويتمثل الدرس الأول في الانعكاسات غير المرغوب فيها لتنظيم مالي مجزأ. وبالرغم من أن الخزانة الأمريكية كانت تتولى المسؤولية الكاملة عن التمويل المحلي، فإنها لم تستطع تجاوز الاستقلال التشغيلي للجهات التنظيمية القطاعية. وقد أدى ذلك إلى تعقيد الرقابة على السلامة الاحترازية الكلية؛ إذ إن أنباء تعرض العملاق الرئيسي للتأمين AIG
المجموعة الأمريكية الدولية للتأمين لأزمة كبيرة وصلت إلى وزير الخزانة قبل أيام فقط من انهياره. الأمر الذي قوض سياسة الاستقرار المالي. وكان المسؤول عن تنظيم المؤسستين اللتين ترعاهما الحكومة عازفاً عن الاعتراف بتعرضهما للقصور الشديد في الرسملة. وفرض الوصاية عليهما. وعلى المنوال نفسه كانت الجهة التنظيمية المتخصصة المسؤولة عن مؤسسة التوفير والقروض واشنطن ميوتشوال التي كانت تواجه متاعب رأت أن تعاد رسملتها - مع بقاء سيطرتها على المؤسسة - بدلا من العمل على بيعها لأحد البنوك المستقرة وهو جاي بي مورجان وبعد ذلك بستة أشهر صارت مؤسسة واشنطن ميوتشوال احد أكبر البنوك الأمريكية التي انهارت في التاريخ.
ويتعلق الدرس الثاني بأهمية الهيئة التشريعية في تشكيل السياسة المالية؛ حيث كان الكونجرس الأمريكي عازفا عن الاعتراف بتراكم عوامل الضعف المالية في الفترة السابقة على الأزمة. ويرجع ذلك إلى النفوذ السياسي الكبير للقطاع المالي، خاصة سطوة المؤسستين اللتين ترعاهما الحكومة وهي «أشرس المقاتلين في دوائر واشنطن» وقد انعكس ذلك في الدراسات الأكاديمية التي ربطت بين الإسهامات السياسية وأصوات الكونجرس بشأن المسائل الاقتصادية.
ويتعلق الدرس الثالث بتعقيدات التنسيق الدولي في إدارة الأزمة. ومن المتعارف عليه عامة أن تسوية أوضاع البنوك الدولية ربما كان هو أضعف الحلقات في أطر الاستقرار المالي العالمي. وخير دليل على ذلك هو فشل بنك ليمان براذرز؛ فقد كان البنك الاستثماري يمارس نشاطا متكاملا على المستوى العالمي. ومع ذلك اضطرت فروعه الدولية إلى التقدم بطلبات لإشهار إفلاسها وفقاً لقواعد الولايات القضائية التي تتبعها. ومع إشهار الإفلاس، قام المدير القضائي المكلف بتصفية ليمان في لندن وهو شركة بيدبليو سي بتجميد كافة أصول الشركة في المملكة المتحدة بما في ذلك ضمانات الغير من حسابات العملاء، وقد أدى هذا الإجراء إلى هز ثقة المستثمرين حتى في مناطق الولاية التي يتم فيها فصل حسابات العملاء الاستثمارية في البنوك وحمايتها في حالة الإفلاس، كما هو الحال في الولايات المتحدة وهكذا تحولت خاصية متفردة غير متوقعة لقواعد الإفلاس إلى أحد السهام التي أطلقت لتدمير النظام المالي العالمي.
الدرس الرابع يتعلق بالفجوات الواسعة في الإطار التنظيمي للولايات المتحدة؛ حيث إن إجراءات وقف عمليات البنوك التجارية محددة بوضوح في قانون إنشاء المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع FDICIA إلا أنه لم تكن هناك هيئة مماثلة لبنوك الاستثمار، وشركات التأمين وصناديق التحوط الكبيرة. وما كان للحكومة أن تتدخل بضخ مزيد من الأموال إذا تعرضت إحداها للفشل. حتى لو كان لذلك تبعات على النظام بأكمله. وكان باستطاعة الاحتياطي الفيدرالي من الناحية النظرية أن يقدم قرضاً طارئاً لأي من المؤسسات، لكن فقط إذا كان القرض «مأموناً على نحو يرضيه» بمعنى توافر الحد الأدنى فقط من خسائر الائتمان. لماذا إذن ترك بنك ليمان يواجه الفشل بينما تم إنقاذ بير ستيرنز والمجموعة الدولية للتأمين AIG
.
* كاتب وأكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"