دور تركي مشبوه

03:36 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

من المهم ونحن نتحدث عن الدور التركي في سوريا، ألا نغفل حقيقة أن العلاقات السورية التركية، لم تكن في أي يوم من الأيام علاقات طبيعية، رغم الكثير من الاتفاقيات التي وقعت بين الطرفين، إذ إن التوتر كان سائداً بين البلدين لحقبة طويلة، لأسباب كثيرة، بدءاً من احتلال تركيا لواء الإسكندرون السوري، في إطار اتفاق مع فرنسا في العام 1936، مروراً بسياسات أنقرة المائية المجحفة بحق كل من سوريا والعراق، وليس انتهاء بقضية حزب العمال الكردستاني، وهو فصيل يساري، ساهم إيواء دمشق لقادته بتوتر كبير بين البلدين كاد أن يصل إلى حافة النزاع المسلح، في أوائل التسعينات من القرن الماضي، إبان حكم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.
حينها تبادل الطرفان حشد قواتهما على الحدود المشتركة، قبل أن تنزع دمشق فتيل الأزمة، بخروج عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال من سوريا، وتوقيع اتفاق أضنة عام 1998، الذي نص على عدم سماح سوريا بأي نشاطٍ ينبع من أراضيها من شأنه تهديد أمن واستقرار تركيا.
ومع أن العلاقات التركية السورية شهدت تحسناً ملحوظاً في السنوات الأولى من العقد الماضي، إلا أن هذا التحسن لم يلغ في الواقع المطامع التركية في سوريا، التي رأت أنقرة في ما عرف بالربيع العربي فرصة لتحقيقها، عبر تحالفها الوثيق مع حركة الإخوان المسلمين، التي تعتبر الأب الروحي لأغلب التنظيمات الإرهابية المتطرفة، والمعروفة بعلاقاتها المتينة مع أنقرة، وتحديداً الرئيس رجب طيب أردوغان. لذلك رأت أنقرة في تدخلها في الأزمة السورية التي ساهم فيها الإخوان المسلمون بشكل فاعل، فرصة لتصفية حسابات سابقة، وتعزيز الحضور التركي في سوريا، وهو أمر يخالف روح اتفاقية أضنة، التي تمنع الطرفين من التدخل في شؤون بعضهما الداخلية، كما أن أنقرة رأت في ذلك فرصة للدخول في المنطقة العربية، لا سيما أن سوريا تمثل جغرافياً البوابة العربية الوحيدة تقريباً لنفاذ تركيا إليها، فهي تشترك معها بحدود طويلة تقارب 900 كيلومتر.
أدى الدور التركي في الأزمة السورية إلى عودة العلاقات بين البلدين إلى مربعها الأول، لا سيما مع تحول تركيا إلى معبر رئيسي لمختلف المقاتلين الأجانب الذين توافدوا إلى الساحة السورية، ناهيك عن تقديم الدعم المباشر والعلني، للكثير من الفصائل المسلحة، منها تلك المصنفة إرهابياً، كحركة تحرير الشام، النصرة سابقاً، وحتى تنظيم «داعش» الإرهابي، ناهيك عن امتداد الدور التركي العبثي في أكثر من اتجاه، والتدخل في دول عربية أخرى مثل ليبيا وغيرها.
وعلى الرغم من انكشاف الدور التركي، إلا أن التوازنات الإقليمية والدولية، وتقاسم النفوذ للأطراف الدولية الكبرى في سوريا، أتاحت لأنقرة أن تكون لاعباً فاعلاً في الأزمة السورية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار العلاقات بين تركيا وكل من روسيا وإيران، بالإضافة إلى العلاقات التركية الأمريكية، التي تبقى علاقات استراتيجية، رغم ما يعتريها من توترات بين حين وآخر.
نستطيع القول إن تركيا تمكنت من اللعب بورقة المصالح المشتركة بينها وبين أطراف اللعبة في سوريا، ليس للبحث عن حل للأزمة، كما تزعم، وإنما لمصالحها التوسعية الخاصة، التي ظهرت جلية، من خلال احتلال أجزاء واسعة من الأراضي السورية، بحجة محاربة الفصائل الكردية التي تناصبها العداء، وتتهمها بالإرهاب.
زد على ذلك أن تركيا التي تعاني أزمات داخلية، لا سيما في السنوات القليلة الماضية، رأت في الساحة السورية مدخلاً لتصدير هذه الأزمات إلى الخارج، مستغلة بطريقة براغماتية واضحة علاقاتها الإقليمية والدولية، بل واستخدمت الأزمة السورية، خاصة قضية اللاجئين، وسيلة لابتزاز أوروبا، والعالم بشكل كبير.
من هنا فإن الدور التركي في سوريا لم يعد قابلاً للإخفاء حيث تصر أنقرة على حماية ودعم العديد من الفصائل المسلحة، لاستخدامها ورقة سياسية، تساعد في حفظ ما تسميه المصالح التركية في سوريا، أو بمعنى آخر استمرار الاحتلال التركي لأراض سورية، وهو ما بدا واضحاً في إعلان المسؤولين الأتراك إصرارهم على بقاء نقاط المراقبة التركية، في مناطق خفض التصعيد المتفق عليها في أستانا، منها نقطة المراقبة في مورك، التي لم يعد لها أي دور، بعد دخول الجيش السوري، خان شيخون ومناطق واسعة في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، وطرد جبهة النصرة وغيرها منها.
كما أن إصرار تركيا على إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا بالتحالف مع واشنطن، وبدء الجيشين الأمريكي والتركي بالترتيبات الفعلية لهذه الخطوة، يعنيان أن الهدف هو إطالة أمد الأزمة السورية، وليس البحث عن حل لها، لأن هذه الخطوات ستخلط أوراق الأزمة السورية من جديد، وقد تفتح الباب على صراعات جديدة، لا تحمد عقباها، في ظل التعقيدات الجيوسياسية وغيرها التي تتسم بها الأزمة السورية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"