سؤال السعادة في المجال السياسي

04:18 صباحا
قراءة 4 دقائق
الحسين الزاوي

يفكر الأفراد في المجتمعات الحديثة في آليات وشروط تحقيق السعادة عند البشر، كما يطرحون أسئلة مختلفة تتعلق بمدى قدرة رجال السياسة في مختلف أماكن تواجدهم، في الأجهزة التنفيذية وفي الأحزاب السياسية والنخب القيادية المسيِّرة للشأن العام، على تحقيق السعادة والرفاهية، وعلى توفير مستوى عالٍ من الجودة في الحياة للمواطنين، في سياق ما يُعرف فلسفياً، بالعقد الاجتماعي الذي يربط الحكام بالمحكومين، ولا يتساءلون إلا نادراً، عن مدى شعور السياسيين بالسعادة وهم يعملون على توفير شروط الاستقرار والعيش الكريم لمواطنيهم؛ لأن مهمة إسعاد الغير تضع ضغوطاً نفسية كبيرة على النخب الحاكمة، تدفعها في أحايين كثيرة إلى التضحية بسعادتها الشخصية.
وقبل أن نواصل الحديث في تفاصيل هذا الموضوع، علينا بداية أن نوضِّح أن السعادة التي نتحدث عنها هي سعادة الإنسان في الحياة الدنيا؛ أي سعادة النفس التي تفكر في ذاتها وفي الآخر الذي يشكل جزءاً منها، وهي تتعلق بالخلاص في الدنيا، ومن ثمة فهي مغايرة للغبطة الدينية التي تعني بالنسبة للفيلسوف الهولندي سبينوزا، «الحب العقلي لله»، وتشير عند الكثير من المفكرين إلى الخلاص الديني وإلى الاطمئنان الروحي للإنسان المؤمن.
وتكون السعادة مرتبطة قياساً على ذلك، بالحياة الدنيوية من حيث أنها تشير، وفق أفلاطون، إلى أن كل من يسعى لأن يكون عادلاً، هو بالضرورة إنسان سعيد، وبالتالي فإن هذا الموقف الأفلاطوني يسهم في جعل السعادة أكثر ارتباطاً بالشأن السياسي، سواء بالمعنى الذي يتم الحديث فيه عن القائمين على تنظيم الحياة العامة داخل المدينة، أو بالمعنى الذي يشير إلى المنافسة القائمة بين الأفراد والجماعات من أجل التأثير في السلطة، وبالنسبة أيضاً للسياسة بوصفها تعبّر عن برنامج عمل خاص بالإدارات الحكومية.
يتعلق الأمر إذن، وتحديداً في المجال السياسي، بالسعادة في صلتها بالعالم الخارجي، وليس بالسعادة من حيث هي تعبير عن طمأنينة داخلية للذات أو بالحياة المتسقة، كما يصفها المذهب الرواقي. ويمثل التصوران الخارجي والداخلي، جزءاً من النقاش الفلسفي الراهن ما بين «لوك فري»، الذي يدافع عن التصور الأول، و«فريدريك لونوار» الذي يتبنى التصور الثاني، تصورٌ يَفترض أنه في استطاعتنا أن نكون سعداء في عالم تعيس؛ لأن السعادة هي مسألة شخصية، وفق ما تدعيه بعض النظريات المعاصرة في «علم النفس الإيجابي».
بيد أن السعادة ترتبط في الواقع بأوضاع العالم وطبيعة المجتمع الذي نعيش فيه، والذي يعمل السياسيون على تطويره وعلى جعله أقل تعاسة؛ لأننا لا نستطيع أن نكون سعداء في محيط أسري واجتماعي تعيس، من منطلق أن سعادة من نحبهم ومن نتشارك معهم قيم المواطنة، ليست أقل أهمية من سعادتنا الذاتية، ومن ثمة فإن السياسي الذي لا يعمل على إسعاد من يتولى حكمهم، قد يعيش نوعاً من الرفاهية المتصلة بممارسة السلطة، لكن من الصعب عليه أن يكون سعيداً.
هناك في السياق نفسه، أسئلة عملية كثيرة يمكن إثارتها بشأن سعادة رجال السياسة في الثقافتين الغربية والشرقية على حد سواء، وهي أسئلة من شأنها إطلاق نقاش واسع فيما يخص الحدود الفاصلة بين الحياتين العامة والخاصة للسياسيين؛ لأن الشأن السياسي يظل في أعين أغلبية واسعة من الناس شأناً عمومياً بامتياز، ولا تقبل معظم المجتمعات المعاصرة أن تطرح لحظات سعادة السياسيين وتعاستهم، وكأنها تمثل جزءاً من الحياة السياسية للدول.
وقد حاول مؤخراً الصحفي الفرنسي «جيريمي كولادو» طرح أسئلة متعددة تتعلق بالسعادة على مجموعة من السياسيين البارزين، من أمثال نيكولا ساركوزي، وفرانسوا هولاند، وآلان جوبيه، وجون لوك ميلونشون، في كتابه الموسوم: «السعادة في السياسة»، حيث سعى إلى بلورة رؤية فكرية ترتبط بالعلاقة الموجودة ما بين السلطة والسعادة، مخترقاً بذلك جانباً مهماً من المحظورات التي لها صلة وثيقة بالحياة الشخصية للسياسيين في فرنسا، وتعلقت الأسئلة التي طرحها على محاوريه، بمحاولة فهم تصوراتهم الخاصة للسعادة.
ويذهب معظم المهتمين بهذا الموضوع، إلى القول إن سؤال السعادة في السياسة، سبق وأن طرح بشكل صريح في وثيقة إعلان استقلال الولايات المتحدة سنة 1776، والتي أكدت أن البشر خُلقوا متساوين، وأن من بين حقوقهم الأساسية، حقهم الطبيعي في الحياة والحرية والسعي إلى تحقيق السعادة.
ودلّت مثل هذه المبادئ على أنه حتى وإن لم يكن كل أفراد المجتمع سعداء؛ إلا أنه من حق كل من يتقاسمون حقوق وواجبات المواطنة، أن يشعروا على الأقل بنوع من الرضا عن حياتهم المجتمعية؛ لأنه سيكون من غير اللائق أخلاقياً الحديث عن سعادة السياسيين عندما يكون الشعب بائساً وتعيسا؛ ذلك أن الأمر يتعلق إلى حد بعيد بمحاولة جمع كل أفراد الشعب حول مبادئ مشتركة، من شأنها أن تحقق العدالة والسعادة والرضا لأكثر فئات الشعب هشاشة، وصولاً إلى بلوغ حد أدنى من الانسجام ما بين مستويات السعادة السياسية الثلاث: سعادة المواطنة المدنية، وسعادة المواطنين كمجتمع، وسعادة المواطن كفرد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"